۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 360
بالامس : 2314
لهذا الأسبوع : 11448
لهذا الشهر : 23168
لهذه السنة : 119067
منذ البدء : 3733325
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  26
تفاصيل المتواجدون

التنويع في أداء الوضوء

المسألة

التنويع في أداء الوضوء

 د. ظافر بن حسن آل جبعان

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اهدني وسددني

التنويع في أداء الوضوء

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

إن مما امتن الله تعالى به على عباده المسلمين أن نَوَّع لهم في أداء بعض العبادات، ولما فيها من تخفيف عليهم، وتيسر لهم، فالعبادات الواردة على وجوه متعددة يستحب للمسلم أن يحرص على الإتيان بها جميعًا في أوقات شتى، لما في ذلك من اتباع السنة، وإحيائها، وما يكون في ذلك من حضور القلب، فإن الإنسان إذا داوم على وجه واحد في كل عبادة جاءت على وجوه متعددة كان في ذلك هجر لباقي تلك الوجوه وهي من السنن، والإتيان بذلك الوجه من غير استشعار له حتى يصير كأنه عادة.

ومن ذلك التنويع في أداء الوضوء فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك صفات، وتنويع في أداء الوضوء، وفي هذا البحث المختصر سأبين التنويع في الوضوء، وسيكون حديثي منصبا على التنويع فقط، ولن أتطرق لأي شيء من أحكام الوضوء الخارجة عن موضوعي.

التنويع في الوضوء سأقسمه إلى قسمين:

الأول: التنويع في أداء الوضوء.

الثاني: التنويع في غسل الأعضاء.

وهي كما يلي:

الأول: التنويع في أداء الوضوء، وهذا التنويع على هيئتين:

الأولى: أن يوضئ ويتوضأ بنفسه، فيفرغ على نفسه من إنائه فيوضئ نفسه:

ودل لهذه الصفة أحاديث منها:

الحديث الأول:

عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فدعا بتَوْر من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يده في التَوْر فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين(1).

الحديث الثاني:

جاء من حديث حمران بن أبان مولى عثمان - رضي الله عنه - أنه رأى عثمان - رضي الله عنه - دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجلٍ ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(2).

ففي هذين الحديثين دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يتوضأ بنفسه ولا يستعين بغيره كما في هذين الحديثين، وتارة يستعين بغيره كما سيأتي.

الثانية: أن يوضئه غيره، فيستعين بغيره في وضوئه، ودل لهذه الهيئة أحاديث منها:

الحديث الأول:

عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة بن زيد: فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -:« الْمُصَلَّى أَمَامَكَ»(3).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الرجل يوضئ صاحب)(4).

الحديث الثاني:

عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مغيرة جعل يَصُبُّ الماء عليه وهو يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين(5).

قال ابن حجر - رحمه الله تعالى -:(واستدل به المصنف على الاستعانة في الوضوء)(6).

فدل هذان الحديثان على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل غيره يصب عليه الوضوء، وتوضأ هو بنفسه فيكون المسلم مخير بين هذين الأمرين، وله التنويع بينهما.

مسألة: هل من التنويع في الوضوء أن يتوضأ لكل صلاة، أو أن تصلى جميع الصلوات بوضوء واحد، أو بعضها، وهنا أبين الأدلة في ذلك ثم أبين هل هذا داخل في بابنا أم غير داخل فيه، وهي كما يلي:

أ‌-الوضوء لكل صلاة، ومما يدل لهذه الهيئة:

1- فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث(7).

2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ بِوُضُوءٍ »(8).

ب‌- الوضوء لعدد من الصلوات بوضوء واحد، ودل لهذه الصفة أحاديث منها:

1- عن بُريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الصلَوات يوم الفَتْح بوضوء واحد ومسح على خُفَّيه، فقال له عمر - رضي الله عنه -: لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنَعُه. قال - صلى الله عليه وسلم -:« عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ »(9).

2- وعن الفضلُ بن مُبَشِّر قال: رأيت جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - يُصَلِّي الصلَوات بوضوء واحد. فقلت ما هذا؟ فقال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هذا، فأنا أصنعُ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .(10)

3- وعن سُوَيْد بن النُّعْمان - رضي الله عنه - أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصَّهْبَاءِ - وهي أدنى خيبر - فصلَّى العصر، ثم دعا بالأزْوَاد، فلم يؤت إلا بالسَّوِيق - هو دقيق الشعير أو السلت المقلي - فأمر به فَثُرِّى - أي بُلَ بالماء لما لحقه من اليبس - فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فمضْمَض ومَضْمَضْنا، ثم صلَّى ولم يتوضأ.(11)

ومما سبق يتبين أنه يستحب الوضوء لكل صلاة، وهذا حاله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال أنس - رضي الله عنه -:( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة)، ومما يدل على استحبابه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لولا شفقته على أمته، وخشية المشقة عليهم لأمرهم به عند كل صلاة.

وأما ما ورد من أدائه - صلى الله عليه وسلم - صلوات معدودة بوضوء واحد، فذلك يدل على الجواز، وليس هذا من باب التنويع.

فالأقرب أن هذا ليس من التنويع والله - تعالى - اعلم.

الثاني: التنويع في غسل الأعضاء، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل بعض أعضائه مرة مرة، وورد مرتين مرتين، وورد ثلاث مرات، ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -:( وبيَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ أيضاً مرتين، وثلاثاً، ولم يزد على ثلاث وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم)(12).

والصفات التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي كالتالي:

‌أ- غسل العضو مرة مرة:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:( ثم توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة )(13).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الوضوء مرة مرة)(14)، وبوب الترمذي - رحمه الله تعالى - بقوله:( باب ما جاء في الوضوء مرة مرة)(15).

وكذا بوب الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى - فقال:( باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، والوضوء مرة مرة)(16).

‌ب- غسل العضو مرتين مرتين:

عن عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرَّتَيْن مرَّتَيْن.(17).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الوضوء مرتين مرتين)(18).

‌ج- غسل العضو ثلاث مرات:

عن حمران مولى عثمان - رضي الله عنه - أنه رأى عثمان - رضي الله عنه - دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجلٍ ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(19).

‌د- غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً، وبعضه وتراً:

عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتَوْر من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يده في التَوْر فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين(20).

قال الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى -:( وفي وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وغسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً، وبعضه وتراً، دلالة على أن هذا كله مباح، وأن كل من فعل في الوضوء ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات مؤد لفرض الوضوء لأن هذا من اختلاف المباح لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محضور)(21).

وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -:( وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، وثلاثاً ثلاثاً، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين، وبعضها مرة، قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله)(22).

تم بحمد الله وحده

ــــــــــ

(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين(1/113برقم:186)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - (1/210 برقم:235).

(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: المضمضة في الوضوء(1/103برقم:164)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله(1/204 برقم:226).

(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه(1/78برقم:179)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة(2/933برقم:1280).

(4) صحيح الإمام البخاري (1/77).

(5) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه(1/78برقم:180)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/216برقم:246).

(6) فتح الباري(1/382).

(7) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث(1/78برقم:211).

(8) أخرجه أحمد(2/258)، والنسائي في الكبرى(2/197)، وحسنه الألباني في الثمر المستطاب(ص:9).

(9) أخرجه مسلم في كتاب الوضوء، باب: جواز الصَّلوات كلِهَا بوضوء واحد(1/232برقم:277).

(10) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب: الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد (1/92برقم:171)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء لكل صلاة، والصلوات كلها بوضوء واحد(1/170برقم:511).

(11) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث(1/87برقم:212).

(12) صحيح الإمام البخاري(1/91).

(13) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء مرة مرة (1/70 برقم:156).

(14) صحيح الإمام البخاري(1/70).

(15) سنن الترمذي (1/58).

(16) صحيح ابن خزيمة (1/77).

(17) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء مرتين مرتين (1/70برقم:157).

(18) صحيح الإمام البخاري(1/70).

(19) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: المضمضة في الوضوء(1/103برقم:164)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله(1/204برقم:226).

(20) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين(1/113برقم:186)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - (1/210برقم:235).

(21) صحيح ابن خزيمة في كتاب الوضوء، باب: إباحة الوضوء مرة مرة والدليل على أن غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة مؤد لفرض الوضوء (1/87).

(22) شرح مسلم(3/106).

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اهدني وسددني

التنويع في أداء الوضوء

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

إن مما امتن الله تعالى به على عباده المسلمين أن نَوَّع لهم في أداء بعض العبادات، ولما فيها من تخفيف عليهم، وتيسر لهم، فالعبادات الواردة على وجوه متعددة يستحب للمسلم أن يحرص على الإتيان بها جميعًا في أوقات شتى، لما في ذلك من اتباع السنة، وإحيائها، وما يكون في ذلك من حضور القلب، فإن الإنسان إذا داوم على وجه واحد في كل عبادة جاءت على وجوه متعددة كان في ذلك هجر لباقي تلك الوجوه وهي من السنن، والإتيان بذلك الوجه من غير استشعار له حتى يصير كأنه عادة.

ومن ذلك التنويع في أداء الوضوء فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك صفات، وتنويع في أداء الوضوء، وفي هذا البحث المختصر سأبين التنويع في الوضوء، وسيكون حديثي منصبا على التنويع فقط، ولن أتطرق لأي شيء من أحكام الوضوء الخارجة عن موضوعي.

التنويع في الوضوء سأقسمه إلى قسمين:

الأول: التنويع في أداء الوضوء.

الثاني: التنويع في غسل الأعضاء.

وهي كما يلي:

الأول: التنويع في أداء الوضوء، وهذا التنويع على هيئتين:

الأولى: أن يوضئ ويتوضأ بنفسه، فيفرغ على نفسه من إنائه فيوضئ نفسه:

ودل لهذه الصفة أحاديث منها:

الحديث الأول:

عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فدعا بتَوْر من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يده في التَوْر فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين(1).

الحديث الثاني:

جاء من حديث حمران بن أبان مولى عثمان - رضي الله عنه - أنه رأى عثمان - رضي الله عنه - دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجلٍ ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(2).

ففي هذين الحديثين دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يتوضأ بنفسه ولا يستعين بغيره كما في هذين الحديثين، وتارة يستعين بغيره كما سيأتي.

الثانية: أن يوضئه غيره، فيستعين بغيره في وضوئه، ودل لهذه الهيئة أحاديث منها:

الحديث الأول:

عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة بن زيد: فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -:« الْمُصَلَّى أَمَامَكَ»(3).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الرجل يوضئ صاحب)(4).

الحديث الثاني:

عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مغيرة جعل يَصُبُّ الماء عليه وهو يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين(5).

قال ابن حجر - رحمه الله تعالى -:(واستدل به المصنف على الاستعانة في الوضوء)(6).

فدل هذان الحديثان على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل غيره يصب عليه الوضوء، وتوضأ هو بنفسه فيكون المسلم مخير بين هذين الأمرين، وله التنويع بينهما.

مسألة: هل من التنويع في الوضوء أن يتوضأ لكل صلاة، أو أن تصلى جميع الصلوات بوضوء واحد، أو بعضها، وهنا أبين الأدلة في ذلك ثم أبين هل هذا داخل في بابنا أم غير داخل فيه، وهي كما يلي:

أ‌-الوضوء لكل صلاة، ومما يدل لهذه الهيئة:

1- فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث(7).

2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ بِوُضُوءٍ »(8).

ب‌- الوضوء لعدد من الصلوات بوضوء واحد، ودل لهذه الصفة أحاديث منها:

1- عن بُريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الصلَوات يوم الفَتْح بوضوء واحد ومسح على خُفَّيه، فقال له عمر - رضي الله عنه -: لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنَعُه. قال - صلى الله عليه وسلم -:« عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ »(9).

2- وعن الفضلُ بن مُبَشِّر قال: رأيت جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - يُصَلِّي الصلَوات بوضوء واحد. فقلت ما هذا؟ فقال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع هذا، فأنا أصنعُ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .(10)

3- وعن سُوَيْد بن النُّعْمان - رضي الله عنه - أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصَّهْبَاءِ - وهي أدنى خيبر - فصلَّى العصر، ثم دعا بالأزْوَاد، فلم يؤت إلا بالسَّوِيق - هو دقيق الشعير أو السلت المقلي - فأمر به فَثُرِّى - أي بُلَ بالماء لما لحقه من اليبس - فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فمضْمَض ومَضْمَضْنا، ثم صلَّى ولم يتوضأ.(11)

ومما سبق يتبين أنه يستحب الوضوء لكل صلاة، وهذا حاله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال أنس - رضي الله عنه -:( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة)، ومما يدل على استحبابه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لولا شفقته على أمته، وخشية المشقة عليهم لأمرهم به عند كل صلاة.

وأما ما ورد من أدائه - صلى الله عليه وسلم - صلوات معدودة بوضوء واحد، فذلك يدل على الجواز، وليس هذا من باب التنويع.

فالأقرب أن هذا ليس من التنويع والله - تعالى - اعلم.

الثاني: التنويع في غسل الأعضاء، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل بعض أعضائه مرة مرة، وورد مرتين مرتين، وورد ثلاث مرات، ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -:( وبيَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ أيضاً مرتين، وثلاثاً، ولم يزد على ثلاث وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم)(12).

والصفات التي وردت عن النبي r هي كالتالي:

‌أ- غسل العضو مرة مرة:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:( ثم توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة )(13).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الوضوء مرة مرة)(14)، وبوب الترمذي - رحمه الله تعالى - بقوله:( باب ما جاء في الوضوء مرة مرة)(15).

وكذا بوب الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى - فقال:( باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، والوضوء مرة مرة)(16).

‌ب- غسل العضو مرتين مرتين:

عن عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرَّتَيْن مرَّتَيْن.(17).

وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذا الحديث بقوله:(باب الوضوء مرتين مرتين)(18).

‌ج- غسل العضو ثلاث مرات:

عن حمران مولى عثمان - رضي الله عنه - أنه رأى عثمان - رضي الله عنه - دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجلٍ ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(19).

‌د- غسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً، وبعضه وتراً:

عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتَوْر من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يده في التَوْر فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه إلى الكعبين(20).

قال الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى -:( وفي وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وغسل بعض أعضاء الوضوء شفعاً، وبعضه وتراً، دلالة على أن هذا كله مباح، وأن كل من فعل في الوضوء ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات مؤد لفرض الوضوء لأن هذا من اختلاف المباح لا من اختلاف الذي بعضه مباح وبعضه محضور)(21).

وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -:( وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، وثلاثاً ثلاثاً، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين، وبعضها مرة، قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله)(22).

تم بحمد الله وحده

ــــــــــ

(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين(1/113برقم:186)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - (1/210 برقم:235).

(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: المضمضة في الوضوء(1/103برقم:164)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله(1/204 برقم:226).

(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه(1/78برقم:179)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة(2/933برقم:1280).

(4) صحيح الإمام البخاري (1/77).

(5) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه(1/78برقم:180)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/216برقم:246).

(6) فتح الباري(1/382).

(7) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث(1/78برقم:211).

(8) أخرجه أحمد(2/258)، والنسائي في الكبرى(2/197)، وحسنه الألباني في الثمر المستطاب(ص:9).

(9) أخرجه مسلم في كتاب الوضوء، باب: جواز الصَّلوات كلِهَا بوضوء واحد(1/232برقم:277).

(10) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب: الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد (1/92برقم:171)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء لكل صلاة، والصلوات كلها بوضوء واحد(1/170برقم:511).

(11) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث(1/87برقم:212).

(12) صحيح الإمام البخاري(1/91).

(13) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء مرة مرة (1/70 برقم:156).

(14) صحيح الإمام البخاري(1/70).

(15) سنن الترمذي (1/58).

(16) صحيح ابن خزيمة (1/77).

(17) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: الوضوء مرتين مرتين (1/70برقم:157).

(18) صحيح الإمام البخاري(1/70).

(19) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: المضمضة في الوضوء(1/103برقم:164)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله(1/204برقم:226).

(20) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين(1/113برقم:186)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - (1/210برقم:235).

(21) صحيح ابن خزيمة في كتاب الوضوء، باب: إباحة الوضوء مرة مرة والدليل على أن غاسل أعضاء الوضوء مرة مرة مؤد لفرض الوضوء (1/87).

(22) شرح مسلم(3/106).

عليه , وورد , فقد , أنه , ثلاث , مرات، , مرتين , يزد , عن , ولم , مرة، , صلى , في , جاء , أعضائه , وسلم , الله , ذلك , على , الثاني , غسل , النبي , بعض , مرة , مرتين، , الأعضاء، , التنويع

روابط ذات صلة

المسألة السابق
المسائل المتشابهة المسألة التالي

.

تصميم وتطوير كنون