۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 649
بالامس : 2314
لهذا الأسبوع : 11737
لهذا الشهر : 23457
لهذه السنة : 119356
منذ البدء : 3733614
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  15
تفاصيل المتواجدون

:: بينَ السَّماءِ والأرضِ ::

المقال

:: بينَ السَّماءِ والأرضِ ::

 د. ظَافِرُ بنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

بينَ السَّماءِ والأرضِ

كنتُ مرَّةً في رحلةٍ جوِّيَّةٍ يَستغرِقُ السَّفرُ فيها ما يَقرُبُ من ثلاثِ ساعاتٍ، وكُنَّا في الطَّائرةِ بينَ السَّماءِ والأرضِ على ارتفاعِ 28 ألفَ قَدَمٍ عن الأرضِ!

وكنتُ أَتأمَّلُ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النَّحْل: 79]، وقولَه تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [المُلْك: 19].

فقلتُ: سُبحانَ اللهِ! هذا ربُّنا -تبارك وتعالى- يقولُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ}، وإنْ كان الخِطابُ للكُفَّارِ عندَ نزولِ الآياتِ، إلَّا أنَّ العِبرةَ بعمومِ اللَّفظِ لا بخصوصِ السَّببِ [وهذه قاعدةٌ مُهِمَّةٌ لتَدبُّرِ القرآنِ، والعملِ بما فيه]؛ فهنا يَحُثُّنا ربُّنا -جَلَّ وعلا- على التَّدبُّرِ والتَّفكُّرِ في هذا الطَّيرِ السَّابحِ في الفَلَكِ، الطَّائرِ في الفضاءِ، يَتنقَّلُ بكُلِّ أَرْيَحيَّةٍ وهدوءٍ، بل يَتفنَّنُ ويَتلذَّذُ بالقبضِ والبسطِ، فيزدادُ بذلك حُسْنًا وجمالًا!

فيا سُبحانَ اللهِ! كيف أنَّ هذا الخلقَ الصَّغيرَ، والحجمَ اليسيرَ ممسوكٌ بينَ السَّماءِ والأرضِ، وقَارٌّ في الفضاءِ، فلا رِيحَ تعبثُ به على صغرِه، ولا تَوازُنُه يَضعُفُ في تحديدِ مسارِه معَ بُعدِه الشَّاهقِ في السَّماءِ؟! فسُبحانَ مَن أَمسَكَه في السَّماءِ!

والمُتأمِّلُ في الآيةِ الكريمةِ يرى لَطافةَ التَّعبيرِ، وجمالَ الأُسلوبِ القُرآنيِّ الأَخَّاذِ عندَما عبَّر بقولِه: {يُمْسِكُهُنَّ}، وهذا تعبيرٌ غايةٌ في اللَّطافةِ والحُسنِ، فلم يَقُلِ الحقُّ: (يُثبِّتُهنَّ)، ولم يَقُلْ: (يَقبِضُهُنَّ)، بل عبَّر بقولِه: {يُمْسِكُهُنَّ}؛ لأنَّ التَّثبيتَ يمنعُ الحركةَ، والقبضَ يكونُ عادةً بقُوَّةٍ، لكنَّ الإمساكَ لا يكونُ عادةً إلَّا بلُطفٍ فلا أَذًى ولا إفلاتٌ!

والمُتأمِّلُ في آيةِ النَّحلِ وآيةِ المُلْكِ، يظهرُ له العظمةُ والرَّحمةُ في التَّعبيرِ والحقيقةِ، فتَأمَّلْ قولَه في النَّحلِ: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ}، وفي المُلْكِ: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ}:

ففي الأولى قال: {إِلَّا اللهُ}، وفي الثَّانية قال: {إِلَّا الرَّحْمَنُ}، ففي الأولى العظمةُ ظاهرةٌ، وفي الثَّانيةِ الرَّحمةُ غالبةٌ، فهو العظيمُ الرَّحيمُ، عظيمٌ بما سَخَّر وأَظهَرَ، ورحيمٌ بما خلَق وأَبدَع!!

الَّذي دعاني لكتابةِ هذا التَّأمُّلِ شيءٌ أكبرُ وأعظمُ من الطَّيرِ، فإنْ كان اللهُ ضرَب مثلًا بالصَّغيرِ؛ فإنَّ العِبرةَ بالكبيرِ أكثرُ وأكملُ!

إنَّ هذه الأساطيلَ الجوِّيَّةَ الهائلةَ، والطَّائراتِ العِملاقةَ، الَّتي تخترقُ الجوَّ، وتَشُقُّ الفضاءَ = لَهِي أعظمُ العِبَرِ، وأكثرُها تأمُّلًا!

طائراتٌ تَعلَّقت في الفضاءِ بينَ الأرضِ والسَّماءِ، بل العَجَبُ أنَّها مليئةٌ بأنواعِ البشرِ والمتاعِ، فسبحانَ العظيمِ الرَّحمنِ الَّذي سخَّر الجوَّ للإنسانِ، وعلَّمه من العلمِ ما جعله يطيرُ ويُحلِّقُ، ويُفكِّرُ ويُخطِّطُ، ويُبدِعُ ويَتلذَّذُ!!

لو قيل لأحدِ كبارِ السِّنِّ، ممَّن لم يُدرِكْ هذه العجائبَ: إنَّك تستطيعُ أن تطيرَ فوقَ آلافِ الأمتارِ، وتصلَ إلى مكَّةَ في دقائقَ معدودةٍ وساعاتٍ قليلةٍ. لَنَظَر إليكَ مُتبسِّمًا، وعَدَّ ذلك منك -إنْ صدَقَكَ- ضربًا من الخيالِ أو الخبالِ، ونوعًا من الهنةِ أو الهذيانِ، لا يدركُه العقلُ، ولا يدلُّ عليه الواقعُ! فسبحانَ اللهِ الملكِ العلَّامِ!

لكنْ عندَ التَّأمُّلِ لهذه النِّعمةِ، واستخدامِ البشرِ لها، تجدُهم يتفاوتون في استخدامِها، ويتنوَّعون في استغلالِها؛ بينَ مُحسِنٍ ومُسِيءٍ، وظالمٍ ومُقتصِدٍ، وسابقٍ ومُتأخِّرٍ.

والنَّاسُ المُتَّخِذُوها رواحلَ يرتحلونها، ومطيَّةً يمتطونها هم أصحابُ حاجاتٍ، والحاجاتُ تنقسمُ في حُكمِها إلى أربعةِ أحكامٍ، بحسَبِ قصدِ مُستخدِمها؛ فالأمورُ بمقاصدِها:

الحُكمُ الأوَّلُ: واجبٌ:

كمَن يمتطيها لنُصرةِ الدِّينِ، أو لصلةِ رحمٍ واجبٍ، ولا يكونُ السَّبيلُ إلَّا بها، فالوسائلُ لها حكمُ المقاصدِ.

الحُكمُ الثَّاني: مُستحَبٌّ:

كمَن يمتطيها لطلبِ علمٍ، أو دعوةٍ إلى اللهِ تعالى، أو زيارةِ رحمٍ غيرِ واجبٍ، ونحوُ ذلك.

الحُكمُ الثَّالثُ: مُحرَّمٌ:

كمَن يستخدمُها للوصولِ إلى حرامٍ؛ كالسَّفرِ إلى بلادِ الكُفَّارِ بغيرِ حاجةٍ، أو للسَّفرِ إلى بلادِ العُهْرِ والفسادِ!!

الحُكمُ الرَّابعُ: مُباحٌ:

كمَن استَخدَمَها في أمرٍ مُباحٍ؛ كالسَّفرِ للنُّزهةِ، والسِّياحةِ، والشِّراءِ والبيعِ، ونحوه ...

والنَّاسُ يتنوَّعون في قضاءِ الأوقاتِ في هذه الوسيلةِ، والجالسون فيها على أَضرُبٍ:

- فمنهم مَن يقضي وقتَه نائمًا.

- وثانٍ يُقلِّبُ النَّظرَ في الذَّاهبِين والقاعدين.

- وثالثٌ يتصفَّحُ الجرائدَ والمِجلَّاتِ.

- ورابعٌ يُطالِعُ ويقرأُ.

- وخامسٌ يعبثُ بقلمِه أو جوَّالِه ...

وكلُّهم يقولُ: متى ينقضي الوقتُ وينسلخُ الزَّمانُ، فأَصِلَ إلى مطلوبي؟

وقليلٌ هم الَّذين يحرصون على استثمارِ أوقاتِهم، واستغلالِ لحظاتِهم، وأَحسَبُ أنَّ هذه اللَّحظاتِ من أهمِّ وأعظمِ اللَّحظاتِ.

وقد يسألُ سائلٌ: لماذا؟

فأقولُ: لأنَّنا -حينَها- بينَ السَّماءِ والأرضِ، وفي أيِّ لحظةٍ قد يحصلُ المكروهُ، ويَحُلُّ المقدورُ؛ فمَن يُؤمِّنُنا مِن مكرِ العزيزِ القادرِ؟! فلعلَّ تلك تكونُ الخاتمةَ، ومَن مات على شيءٍ بُعِث عليه!

نعم .. قليلٌ هم الَّذين يَقْضُون أوقاتَهم في طاعةِ اللهِ تعالى؛ من التَّفكُّرِ، والاعتبارِ، وقراءةِ العلمِ النَّافعِ، وتلاوةِ القرآنِ، والنُّصحِ للنَّاسِ، وحُسنِ الجِوارِ ...

فهل يا ترى يَقدُرُ الرَّاكبُ لهذه النِّعمةِ النَّعماءِ والعطيَّةِ الحسناءِ قَدْرَها؟ وهل يستحيي ممَّن هو في السَّماءِ يراه ويسمعُ قولَه؟!

ونَركَبُ الجوَّ في أمنٍ وفي دَعةٍ ... فما سَقَطْنا؛ لأنَّ الحافظَ اللهُ


أسألُ اللهَ التَّمامَ، وحُسنَ العاقبةِ والختامِ

سُوِّد بياضُ هذه الكلماتِ

بينَ السَّماءِ والبحرِ

عشيَّةَ الأحدِ 29/3/1429 (*)

ــــــــــــــــــــ

(*) ومِن العجيبِ: بعدَ أن أَتممتُ كتابةَ هذه الكلماتِ، نظرتُ عن يساري فإذا شابٌّ مُحتضِنٌ يديه بينَ ثدييه يدعو ربَّه ومولاه؛ فكان بالنِّسبةِ لي منظرًا مهيبًا، أسألُ اللهَ أن يَعُمَّنا بواسعِ فضلِه ... آمينَ.

والأرضِ , ألفَ , الأرضِ! , في , بينَ , رحلةٍ , من , على , فيها , السَّماءِ , وكُنَّا , السَّفرُ , ساعاتٍ، , ما , يَقرُبُ , ثلاثِ , جوِّيَّةٍ , عن , مرَّةً , الطَّائرةِ , يَستغرِقُ , قَدَمٍ , كنتُ , ارتفاعِ

جديد المقالات

.

تصميم وتطوير كنون