۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 70
بالامس : 1100
لهذا الأسبوع : 8846
لهذا الشهر : 20565
لهذه السنة : 116465
منذ البدء : 3730721
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  29
تفاصيل المتواجدون

:: أهمِّيَّةُ الاحتسابِ في المُجتمَعاتِ ::

المقال

:: أهمِّيَّةُ الاحتسابِ في المُجتمَعاتِ ::

 د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلِ جَبْعانَ


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني

أهمِّيَّةُ الاحتسابِ في المُجتمَعاتِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ميَّز مِن خلقِه مَن شاء، واصطَفى منهم مَن شاء، وأعزَّ مَن شاء، وأذلَّ مَن شاء؛ يُعطِي مَن يشاءُ ما يشاءُ، ويمنعُ مَن يشاءُ ممَّا يشاءُ؛ له الأمرُ والنَّهيُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على سيِّدِ الأوَّلِينَ والآخِرينَ، أعزَّه اللهُ بالدِّينِ القويمِ، ورفع ذِكرَه بعبادتِه لربِّ العالمينَ، وعلى آلِه الطَّائعينَ، وصحبِه الصَّادقينَ، وعلى مَن سار على نهجِهم إلى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ؛ فالأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ، أصلٌ من أصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، يعتقدون شرعيَّتَه بقلوبِهم، ويُقِرُّون به بألسنتِهم، ويُؤدُّونه بجوارحِهم بحسَبِ استطاعتِهم.

فهو فريضةٌ عظيمةٌ فرضها اللهُ على أُمَّةِ مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، هي حصنُ الإسلامِ الحصينُ، ووثاقُه المتينُ، فما ظهرت أعلامُ الشَّريعةِ في أُمَّةٍ وارتفعت، ولا فَشَت أحكامُ الإسلامِ وانتشرت، ولا خابت مساعي الإفسادِ واندَحَرت إلَّا بقيامِها وتحقيقِها.

إنَّ صمامَ الأمانِ في هذه الأُمّةِ هو الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ، وأعظمُ المعروفِ الأمرُ بالتَّوحيدِ والنَّهيُ عن ضِدِّه، ثُمَّ ما يكونُ بعدَ ذلك من أصولِ الدِّينِ وثوابتِه، ونُصرةِ الحقِّ وأهلِه، ومُدافَعةِ الباطلِ وحزبِه.

لا يمكنُ للأُمَّةِ أن تقومَ لها قائمةٌ وأهلُ الفسادِ فيه يرتعون ويلعبون، وبثوابتِ الدِّينِ ومَصالِحِ الأُمّةِ العُليا يعبثون!

إنَّ أهمِّيَّةَ الاحتسابِ تظهرُ جليّةً في فرضيَّتِه، فلأهمِّيَّتِه فَرَضه اللهُ على الأُمّةِ، بل قد عدَّه بعضُ أهلِ العلمِ ركنًا سادسًا للإسلامِ، كما قرَّر ذلك ابنُ بطّالٍ في شرحِه على البخاريِّ.

بهذه الفريضةِ حمى اللهُ أهلَ الإسلامِ من نزواتِ الشَّياطينِ ودعواتِ المُبطِلينَ، وأذلَّ اللهُ بها أهلَ المعاصي والمُبتدِعينَ. وما تَحقَّقت تلك الفريضةُ في أُمَّةٍ ووُجِدت في مُجتمَعٍ؛ إلَّا عمَّ الخيرُ والصَّلاحُ، وانتشرت أسبابُ النَّجاحِ والفلاحِ، وما عُطِّلت في مُجتمَعٍ وهُمِّش دَورُها؛ إلَّا فشت فيه الضَّلالةُ، وشاعت الجهالةُ، واضمَحلَّتِ الدِّيانةُ. فبضعفِها يستشري الفسادُ، وتخربُ البلادُ، ويهلكُ العبادُ، وإذا لم يَقُمْ بها عقلاءُ كُلِّ بلدٍ فعلى معالمِ الإسلامِ السَّلامُ!

إنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ مناطُ خيريَّةِ هذه الأُمّةِ، يقولُ تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، ومَن اتَّصف بهذه الصِّفاتِ دخل معَهم في هذا المدحِ، قال قتادةُ: بلغَنا أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ -رضي اللهُ عنه- في حِجّةٍ حجَّها، رأى من النَّاسِ سُرْعةً [أي سُوءَ خُلُقٍ]، فقرأ هذه الآيةَ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}، ثُمَّ قال: (مَن سَرَّه أن يكونَ مِن هذه الأُمَّةِ؛ فلْيُؤَدِّ شرطَ اللهِ فيها) [«تفسير ابن كثير» (2/103)].

يقولُ ابنُ القيِّمِ - رحمه اللهُ تعالى- واصفًا حالَ النَّاسِ معَ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ: (ومَن له خِبرةٌ بما بعث اللهُ به رسولَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وبما كان عليه هو وأصحابُه؛ رأى قِلّةَ ديانةِ النَّاسِ في جانبِ الأمرِ والنَّهيِ، وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمَن يرى محارمَ اللهِ تُنتهَكُ، وحدودَه تُضاعُ، ودينَه يُترَكُ، وسُنّةَ رسولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُرغَبُ عنها؛ وهو باردُ القلبِ، وساكتُ اللِّسانِ؟! شيطانٌ أخرسُ كما أنَّ المُتكلِّمَ بالباطلِ شيطانٌ ناطقٌ!

وهل بليّةُ الدِّينِ إلَّا مِن هؤلاءِ الَّذين إذا سَلِمت لهم مآكِلُهم ورياستُهم فلا مُبالاةَ فيما جرى على الدِّينِ؟! وخيرُهم المُتلمِّظُ المُتحزِّنُ، ولو أنَّه نُوزِع في بعضِ ما فيه غضاضةٌ عليه في جاهِه أو مالِه لَبُدِّل وتَبدَّل، وجَدَّ واجتهد، واستعمل مراتبَ الإنكارِ الثَّلاثةَ بحسَبِ وُسعِه!

وهؤلاءِ معَ سقوطِهم من عينِ اللهِ، ومقتِ اللهِ لهم، قد بُلُوا في الدُّنيا بأعظمِ بليّةٍ تكونُ وهم لا يشعرون؛ وهو موتُ القلبِ، فإنَّ القلبَ كُلَّما كانت حياتُه أتمَّ؛ كان غضبُه للهِ ورسولِه أقوى، وانتصارُه للدِّينِ أكملَ) [«إعلام المُوقِّعين» (2/198)].

إنَّ من أعظمِ أسبابِ خرابِ الدِّيارِ، وفسادِ الأرضِ والمُجتمَعاتِ، تركَ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ. دخل -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على أُمِّ المؤمنين زينبَ بنتِ جحشٍ -رضي اللهُ عنها- فَزِعًا يقولُ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلعَرَبِ مِن شرٍّ قدِ اقتَرب! فُتِح اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثلُ هذِه» وحَلَّق بإِصبَعِه الإِبْهامِ والَّتي تَلِيها. قالت زينبُ: يا رسولَ اللهِ، أَنَهلِكُ وفِينا الصَّالحون؟! قال: «نَعَمْ، إذا كَثُرَ الخُبْثُ» [أخرجه البخاريُّ (3167)، ومسلمٌ (2880)].

إنَّ كثرةَ الخبثِ تُؤذِنُ بالعذابِ الإلهيِّ العامِّ، والهلاكِ الشَّاملِ، كما دلَّ على ذلك الحديثُ، ولقد بوَّب الإمامُ مالكٌ -رحمه اللهُ تعالى- في «المُوطَّأِ» على هذا الحديثِ بابًا سمَّاه: (باب ما جاء في عذابِ العامَّةِ بعملِ الخاصَّةِ).

إنَّ المُجتمَعَ المُسلِمَ لا يُحفَظُ بحفظِ اللهِ إلَّا إذا كان فيه مَن يقومُ على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، ولن يكونَ ذلك إلَّا بحرصِ الجميعِ على هذه الشَّعيرةِ الهامَّةِ.

ومعلومٌ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ: أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الشَّريعةِ، وركنٌ مُهِمٌّ من أركانِها؛ فإنَّه من أعظمِ حقوقِ كلمةِ التَّوحيدِ، بل من آكَدِ قواعدِ الدِّينِ، وشعائرِ الإسلام، ولا صلاحَ للعبادِ والبلادِ في معاشِهم ومعادِهم إلَّا بالقيامِ به، وإظهارِه، وتعظيمِه، وتكميلِه، بحسَبِ الاستطاعةِ، وعلى قدرِ التَّقصيرِ فيه وإضاعتِه وإهمالِه يكونُ النَّقصُ وتَحدُثُ الفِتنُ، ويظهرُ الفسادُ في الأرضِ؛ لهذا جعله اللهُ من أعظمِ فرائضِ الدِّينِ وأَوجَبه على عمومِ المسلمينَ، كُلٌّ حسَبَ حالتِه وقُدرتِه، ووصف -سُبحانَه- به المؤمنينَ الكُمَّلَ، وأثنى عليهم بالقيامِ به، والتَّعاونِ عليه والتَّواصي به، وشَهِد لهم بأنَّهم خيرُ النَّاسِ وأَكمَلُهم إيمانًا، وأنفعُ النَّاسِ للنَّاسِ، وأَعظَمُهم إحسانًا إليهم؛ لأنَّهم أَمروا بكُلِّ معروفٍ، ونَهَوْا عن كُلِّ مُنكَرٍ، فأَمَروا بكُلِّ ما أمر اللهُ به ورسولُه، ونَهَوْا عن كُلِّ ما نهى اللهُ عنه ورسولُه، في كُلِّ جانبٍ من جوانبِ الحياةِ الاجتماعيَّةِ، والاقتصاديَّةِ، والسِّياسيَّةِ، وعالَجوا كُلَّ مُشكِلاتِ الحياةِ وأحوالِ النَّاسِ وَفْقَ شرعِ اللهِ المُطهَّرِ، الَّذي لا يأتيه الباطلُ من بينِ يديه ولا مِن خلفِه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، فاتَّصَفوا بالصَّلاحِ، وقاموا بأعظمِ مهمّةٍ في الإصلاحِ، وأخذوا بجميعِ أسبابِ الفلاحِ.

إنَّ من حسناتِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ انقماعَ الفسادِ وأهلِه، وانخناسَ الشَّيطانِ وجُندِه، واندحارَ الشَّرِّ وحزبِه، فكُلَّما نَشِط الخيرُ ضَعُف الباطلُ، وكُلَّما أَشرَع المعروفُ أعلامَه طوى الشَّرُّ والفسادُ شِراعَه؛ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِ المُرسَلِينَ.


جديد المقالات

.

تصميم وتطوير كنون