۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 511
بالامس : 840
لهذا الأسبوع : 3978
لهذا الشهر : 25992
لهذه السنة : 94598
منذ البدء : 3708838
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  40
تفاصيل المتواجدون

لقاء موقع دعوتها مع الدكتور حول موضوع: علو الهمة لدى الداعية

اللقاء

لقاء موقع دعوتها مع الدكتور حول موضوع: علو الهمة لدى الداعية

 موقع دعوتها



حوار مع الشيخ/ ظافر بن حسن آل جبعان

في موضوع: علو الهمة لدى الداعية

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:"النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار".

ومن هذا المنطلق ارتأينا أن نتناول موضوع علو الهمة لدى الداعية بالنقاش مع ضيفنا الكريم الداعية:(الشيخ/ ظافر آل جبعان) ونسأل الله أن ينفع بما قدم فضيلته جميع المسلمين .

ــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، وناصر أوليائه الطائعين، والصلاة والسلام على خير من تعلق قلبه برب العالمين، وأوكل أمره إلى خالقه إلى يوم الدين، وعلى آله الذين ساروا على منهجه إلى يوم الدين وبعد:

فأتقدم بالشكر والعرفان لهذا الموقع المبارك ( موقع دعوتها ) الذي هو - حقيقة - من المواقع المتميزة، التي تهتم بالمرأة، وليس بأي امرأة؛ بل لمن نذرت نفسها لخدمة الدين، وبذلت وقتها لنصرة سنة سيد المرسلين على بصيرة من الله وهدى، فجزاهم الله خيراً على ما يبذلون ويقدمون، وأسأل الله أن لا يحرمهم الأجر ، وأن يرفع بهذا الموقع منزلة القائمين عليه.

وأكرر شكري للإخوة والأخوات القائمين على هذا الموقع لاستضافتهم إياي في هذا الحوار الذي قد ترددت كثيرًا في قبوله ، حيث أن مثل هذا الموضوع لا يتكلم فيه إلا من كان له أهل، فكيف يدعو للهمة من هو ضعيف فيها، وكيف يتكلم فيها من خالف خُبْرَه خَبَرَه، وبعد أن استخرت الله - تعالى - عزمت على الموافقة على هذا الحوار، فأجيب مستعيناً بالله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س1/ " علو الهمة " كلمة ٌ كثير ما تتردد على الألسن، فهل لك أن تبين لنا معنى هذه العبارة؟

سيكون الحديث عن لفظ الهَمِّ والهِمَّةِ في اللغة لتلازمهما، ثم أحرر المصطلح الذي نريده هنا، فأقول مستعينا بالله تعالى:

قال ابن فارس:( الهاءُ والميم: أصلٌ صحيح يدلُّ على ذَوْبٍ وجَرَيانٍ ودَبيبٍ وما أشبَهَ ذلك) معجم مقاييس اللغة (6/13)

وقال الفيومي:(الهِمَّةُ بالكسر: أو العزم، وقد تطلق على العزم القوي، فيقال: له هِمَّةٌ عَالية). المصباح المنير(2/641)

وقال الشريف الجرجاني:(الهَمُّ: هو عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل، من خير أو شر؛ والهِمَّةُ: توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره). التعريفات (ص:215-216)

وقال ابن القيم:( الهِمَّةُ: فعلة من الهمَّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، فالهمُّ مبدؤها، والهمة نهايتها). مدارج السالكين (2/641)

والهّمَُ: هو مرتبة من مراتب القصد الخمس، فأولها الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهمُّ، ثم العزم، قال الناظم:

مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا

فخاطرٌ فحــديث النفــس فاستمعــا

يــلــيه هــمٌ فعــزمٌ كلــها رفــعت

إلا الأخــير ففيه الأخــذ قد وقــعــا

وبعد هذا يكون مرادنا من الهَمِّ والهِمَّةِ هنا ما يلي:

الهَمُّ: ما هم به من أمر ليفعله؛ والهِمَّةُ: هي الباعث على الفعل، والعزم القوي، وتوصف بعلو، أو سفل ، وللتقريب أكثر فالهم ؛ هو مبدأ الإرادة، والهمة نهايتها، وهو ما يفهم من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.

فهناك تلازم بين الهم والهمة، فإذا همت النفس، استجمعت همتها للقيام بالعمل، على اختلاف فيه ما بين علو وسفل.

فصاحب الهمة العالية: هو من حمله همه الصالح للقيام بأعمال ينتفع بها هو وغيره سواءً في الدنيا أو الآخرة، ويكون متصفاً بصفات تميزه عن غيره.

س2/ قرآننا العظيم، وسنة نبينا الكريم مليئة بالنصوص الحاثة على العلو في الهمم . هل يمكن أن تذكرنا ببعض تلك النصوص؟

كما ذكرتم - وفقكم الله تعالى - أن كتاب ربنا - سبحانه - مليء بالنصوص التي تحث على الهمة ، ومعالي الأمور، وتنهى عن رديئها، وسفسافها، وذلك من خلال الحض على العمل لهذا الدين والوعود بالنصرة والتمكين، وبالمغفرة، وبالنجاة من النار، ومن خلال الأشخاص الذين يحملون مبدأ الهم لهذا الدين، ثم العمل له وعلى رأسهم أنبياء الله - عليهم السلام - ، والمصلحين من بعدهم؛ بل تعدى هذا الأمر إلى بعض المخلوقات غير بني البشر ممن يحمل هم الدعوة إلى الله - تعالى - وتبليغ دينه كالهدهد مثلاً.

فهذه هُمُومٌ وَهِمَمٌ تعلقت بالقلوب فأصبح العمل نتاجاً وميداناً لها، ولعلي أكتفي بأربع آيات في كتاب الله - عز وجل - حاثة على الهمة وعلوها:

الأولى : تتحدث عن نبي من أنبياء الله - تعالى - كان ذو همة عالية ، ونفس صابرة رضية، وكان هو أول نبي ورسول في بني البشر حيث أن الناس كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون فدخلت إليهم فتنة غيرت التوحيد، فكانت همته - عليه السلام - منصرفة إلى تصحيح التوحيد ، ودعوة الناس إليه، فكان يحدث نفسه بدعوة قومه بكل طريقة يحمله هذا الهم عليها، وذلك لتخليصهم من هذا الظلم العظيم فظل تسع مئة وخمسين سنة يدعوهم للتوحيد، واستخدم جميع الوسائل التي يمكن له فعلها، من الدعوة الفردية، والجماعية، والجهر والإسرار، ويكون بالليل والنهار، وذلك مع صبر وجلد واحتساب يحدوه في ذلك الهم والهمة العالية، وفي ذلك قال الله - تعالى - على لسان نبيه نوح - عليه السلام -:{ فقَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً}. [نوح:5-9]

الثانية: قال تعالى عن مؤمن آل يسين:{ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}. [يس:20-27]

ففي هذه الآيات عبَّر الله عن رجل صادقٍ في قوله، عظيمٍ في همه، عالي في همته، جاء إلى قومه متحفزاً يسعى، يحمله هم النصح، وبذل الخير وهو في ذلك على همة عالية، ونفس مؤمنة مطمئنة، قال قتادة:( لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً لا تلقاه غاشاً لما عاين ما عاين من كرامة الله تعالى:{ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}، تمنى على الله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله له).

حتى أن هذا الهم والهمة العالية حملته على نصح قومه حتى بعد موته، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :( نصح قومه في حياته بقوله: { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } ، وبعد مماته في قوله:{ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}) . تفسير ابن كثير(3/750)

وهذا الرجل الصالح مع شدة حبه الخير والنصح لهم آذوه أذاً شديداً، وعندما قال لهم:{إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، وأما طريقة قتلهم إياه فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه :( وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره)، وقال السُّدي :( كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول:( اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه)، وقال الحسن:(خرقوا خرقاً في حلقه فعلقوه بسور من سور المدينة، فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق)، ولسان حاله يقول:

لأَسْتَسْهِلَنَّ الْصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى

فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلا لِصَابِرِ

الثالثة: قال الله تعالى:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}.[ص:45]

فالأيدي القوة في تنفيذ الحق، والأبصار البصائر في الدين فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه، فلهم قوة وهمة، وعزيمة عالية، مع بصيرة في الدين فكان هؤلاء هم أشرف الخلق، وأكرمهم على الله تعالى، وهذا الصنف أصحاب الهمة العالية، والعزيمة الراشدة، والبصيرة النافذة هم من يصلح للإمامة في الدين، قال الله العليم:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[السجدة:24]، فأخبر سبحانه وتعالى أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

الرابعة: قال الله - تعالى -:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}.[الفرقان:74]

فتأملي هذا الداعي وهمه وهمته، فهو يدعو الله تعالى ويسأله أن يخرج من صلبه ذرية تطيع الله وتعبده وحده لا شريك له، ولا يكتفي بذلك ؛ بل همته أن يكون إماماً يقتدى به في الخير، وأحب أن تكون عبادته متصلة بعبادة أولاده وذريته، وأن يكون هداهم متعدياً إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثواباً وأحسن مآباً، فلله دره ما أعظم همته.

أما سنة سيد المرسلين فهي أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر لكن أكتفي هنا بأربعة أحاديث تحث على الهمة العالية:

الحديث الأول: عن أبي وهب الجُشَمِي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ » . أخرجه الإمام أحمد (4/345)، وأبو داود (4950)

فقوله - صلى الله عليه وسلم -:« وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ » هما وصفان لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما، فالمسلم حارث يحرث لدنياه، ولآخرته، وهمام يهم بالخير، فهو لا يزال يهم بالشيء بعد الشيء، فهذان وصفان وصفهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهما أصدق وصفان للمؤمن.

الحديث الثاني: عن ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي:«سَلْ». فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ:« أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ:«فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ». أخرجه البخاري (4418)، و مسلم(489)

فهذا الحديث قد مُلِئَ بالفوائد والعبر( وقد كتبت في هذا الحديث رسالة ووسمتها بـ(تمام المنة بذكر فوائد حديث أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ) ، ومنها عظيم همة كعب وعلو قدرها، فقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم ما يطلبه المتعبدون، ويسأله الراغبون، ويُرَغِبُ فيها الواعظون، ويبكي على بلوغها القائمون، ويعمل لها العاملون، إنها الجنة دار المؤمنين الصادقين؛ بل ليس الجنة فحسب؛ بل أعظم من ذلك وهو مرافقة خير البشر - عليه الصلاة والسلام - فيها، فهذه همة عالية، ونفس تواقة، لم يرض من الدنيا بحطامها، ولا آثر الفاني على الباقي، وهذه همة وعزمة من عزمات أهل الهمم العالية.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنَّا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم- فأنزلت عليه سورة الجمعة:{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } قال: قلت من هم يا رسول الله. فلم يُرَاجِعْهُ حتى سَأَل ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسيُّ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدهُ على سلمان ثُمَّ قال: « لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ - أَوْ رَجُلٌ - مِنْ هَؤُلاَءِ » .أخرجه البخاري (4615)، و مسلم(2546) والثريا: النجم العالي المعروف.

ففيه ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم- على همة سلمان العالية، وهمة قومه، فقد امتدحهم لهمتهم، وحرصهم على بلوغ المعالي، وسلوك سلم العوالي، وقد ظهر ذلك للعيان فإنهم قد ظهر فيهم الدين، وكثر فيهم العلماء، وكان وجودهم كذلك دليلاً من أدلة صدق نبوته عليه الصلاة والسلام.

الحديث الرابع: عن سهل بن حُنَيْف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:« مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ». أخرجه مسلم(5039)

فهذا رجل لم تتهيأ له أسباب الجهاد في سبيل الله فحمله همه وحبه للجهاد أن سأل الله - تعالى - الشهادة بصدق، فلعظم همه وحسن قصده فإنه يؤجر على تلك النية وإن لم يعمل, كرماً من الله وفضلاً، نسأل الله من فضله، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ». أخرجه البخاري(6126)، ومسلم(206) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

س3/ إن الثروة الحقيقية التي تمتلكها الأمم تتمثل في طاقاتها الشابة، والنفوس الحية المتقدة بروح العطاء والبذل، فما حال همم المرأة المسلمة اليوم؟

صدقتم فيما فيه وله قدمتم من أن أي أمة من الأمم لا تقاس إلا ببذلها وتقدمها العلمي والعملي، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على هذا الجانب، وعلى تهيئة الشباب، والاهتمام بهم، فقد كان جلَّ أصاحبه من الشباب، وكان له مواقف معهم في العلم والتربية، والتعليم والتوعية.

فالثروة الحقيقية لهذه الأمة هي في شبابها أصحاب الطاقات الهائلة، والنفوس العالية، ومن هؤلاء الشباب، والطاقات قسم ليس بقليل، وهو على القلب عزيز: هن بناتنا العفيفات الطاهرات، الآتي هن الحصن الحصين لأبنائنا وبناتنا، وهن المربيات والموجهات، والأمهات الفُضْلَيَات، عليهن حِمْلٌ عظيم، وفي أعناقهن مسؤولية كأداء ينوء عن حملها أشاوس الرجال.

لكن عند التأمل فيما صرفن فيه هِمَمُهُنَّ وَهِمَتُهُن، خاصة في هذا الزمن الذي عمَّ فيه داء الشهوات والشبهات، واختلفت فيه التربية، وتنوعت البيئات وجدناهن ينقسمن إلى قسمين:

القسم الأول: عندما نتأمل في همهن وهمتهن يتملكنا العجب، ويزداد القلب حسرة وألماً، هموم غريبة، وتصرفات عجيبة، فأصبح هم بعضهن إفراط في الزينة والتزيُّن، فأصبح الاهتمام الزائد بالزينة مطلبهن، والأناقة بُلْغَتُهن ، ومنهن من تعدت همتها إلى منافسة الرجال في الأسواق والمتاجر، وبلغ الحال إلى المطالبة بالمناصب والكراسي الدوارة لإدارة الشؤون والأحوال، وهنا ندرك حقيقة ما إليه يسعى أعداء الملة والدين من إضلال نساء المسلمين عن مسؤوليتهن، ووظيفتهن، والله المستعان.

القسم الثاني : لكن مع هذا الزَّهَم من الهموم الغريبة التي ابتلين بناتنا بها، إلا أن الخير في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم – باق لا ينقطع، فمن نسائنا وأخواتنا وبناتنا من همتها قد فاقت همم كثير من الرجال، وبلغت بمطلوبها قمم الجبال، في جد وحرص، مع بذل ونصح.

فمع هذه الحملة الغربية التغريبية على المرأة المسلمة إلا أنه ظهر من بناتنا أصحاب قول راجح، وعقل وافر، في مواجهة هذا المد التغريبي العفن، الذي فشل في مجتمعاتهم، فأصروا على بثه في مجتمعاتنا ، فأصبح في مجتمعاتنا - والحمد لله - داعيات صادقات، مؤمنات محتسبات، يقدمن الدين والقِيَم على كل شيء، ووقفن سداً منيعاً في وجوه أهل التغريب ، والتخريب ممن ينال من هِمَّتِهِنَ وهَمِهِنَ، وعِفتهن وحجابهن، وحصانتهن ودينهن، فأعظم همهن خدمة الدين ونصرت قضيتهن، وصد أهل الباطل وحزبه.

س4/ وسائل ترقية الهمم متنوعة، يا حبذا أن تتحفنا ببعض منها.

يمكن ترقية الهمم بوسائل منها:

1- قراءة القرآن الكريم بتدبر، وخاصة ما يمر بنا من نماذج أَصحاب الهمم والعمل.

2- التأمل في سيرة وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها تعين على شحذ الهمة، وتبعث على سمو الدين، والأخلاق.

3- قراءة سير السلف الصالحين من الصحابة والتابعين، وعظماء المسلمين في شتى أبواب الخير، فإن قراءة سيرهم والوقوف مع أقوالهم وأعمالهم ليبعث على الهمة، ويرفع من قدره.

4- المجاهدة على بلوغ الهمة العالية، فبالمجاهدة يدرك الإنسان مبتغاه فيجاهد نفسه على معالي الأمور، ويحذر من سفسافها، ويجاهد أن يضع نفسه في مكان عليٍّ، وقد قيل: المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت، وان قصر بها اتضعت.

5- مرافقة أصحاب الهمم العالية، والتشبه بهم؛ فصاحب من همته أعلى من همتك تعلو همتك، واحذر مصاحبة من همته أقل من همتك فتسفل همتك، وتشبه بالكرام تصل، وصدق من قال:

تَشَبَّهُوْا بِالْكِرَامِ إِنْ لَّمْ تَكُوْنُوْا مِثْلَهُمْ

إِنَّ الْتَشَبُهَ بِالْكِرَامِ فَلَاحُ

فمرافقة أصحاب الهمم تجعل العبد يدرك ما يريد، ويبلغ مراده، وحتى لو لم يدرك مراده، فلا يعدم من حفظ وقته، وحفظ مروءته بمرافقة أهل الهمم والقمم، وفي هذا يقول بعضهم:

أَسِيْرُ خَلْفَ رِكَابِ الْنُّجْبِ ذَا عَرَجٍ

مُؤَمِلاً كَشْفَ مَا لاقَيْــتُ مِنْ عــِوَجِ

فَــإِنْ لَحِقْــتُ بِهِمْ مِنْ بـَعْدِ مَا سَبَقُوْا

َفكَمْ لِـرَبِ الْـوَرَى فِيْ ذَاكَ مِنْ فَرَجِ

وَإِنْ بَقِيْتُ بِظــَهْرِ الأَرْضِ مُنْــقَطِعَاً

َمَـا عَلى عَرَجٍ فِيْ ذَاكَ مِنْ حَرَجِ

6- الحذر من كل ما هو مضعف للهمة ومنقص لها، ومن ذلك الوقوع في المعاصي والآثام فهي أعظم بلاء للصد عن معالي الأمور، والبقاء في حضيض السفل، وساقط الهمة، يقول ابن الجوزى:( وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حثت ثارت، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلا فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته ).

ومن ذلك أيضاً الحذر من الالتفات إلى أقوال المخذلين والمرجفين، ومن ذلك مصاحبة البطالين اللآهين الذين لا هم لهم إلى التفنن في إضاعة الأوقات، وقتل الساعات، ومن ذلك التوسع في المباحات من المطاعم والمشارب والملابس والنوم، وغير ذلك.

7- وضع برامج ذاتية لرفع الهمة، فيكون لك برنامجاً في العلم، وبرنامجاً في الدعوة، وفي العبادة وغير ذلك، بشرط متابعة هذا البرنامج.

8- الحرص على حضور الدورات التدريبية والتطويرية، بشرط تطبيق النافع منها، لكي لا يكون ذلك مضيعة للوقت، والجهد والمال.

9- عقد لقاءات وجلسات مع المبدعين، والموهوبين للإفادة من أعمالهم وتجاربهم.

10- عدم احتقار الذات فكل إنسان فيه جوانب إيجابية كثيرة، والناس يختلفون في هممه وأعمالهم، فإن الله وزع الأعمال كما وزع الأرزاق، وتأمل معي هذا المقولة للإمام مالك بن أنس- رضي الله عنه - تكتب بماء الذهب يقول في رده على عبدالله بن عبدالعزيز العمري العابد حينما كتب إليه يحضه على الانفراد والعمل؛ قال الإمام مالك:( إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر) . سير أعلام النبلاء(8/114)

11- الإطلاع على شيء من سير أهل الباطل وجلدهم في باطلهم، مما يدفع لشحذ الهمة، والعمل، فهذا رجل فاجر أو كافر يعمل بجد واجتهاد لينصر دينه وعقيدته، وأنت صاحب الحق متخاذل عن نصرة دينك وعقيدتك.

12- كثرة الدعاء واللجوء إلى الله - تعالى -، فكم فتح لعبد مغاليق الفُهُوم، ولآخر أبواب البر والإحسان بسبب الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، فيكثر من الدعاء بأن الله يرزقه همة عَلِيْة تحمله إلى عمل صالح يرضاه ربنا ويتقبله.

وهنا أنصح بقراءة هذه الكتب لشحذ وبعث الهمة:

1- كتاب الله تعالى وتكون قرأته بتدبر وتأمل.

2- صلاح الأمة في علو الهمة للدكتور سيد بن حسين العفاني.

3- علو الهمة للدكتور محمد بن إسماعيل المقدم.

4- الهمة طريق إلى القمة للدكتور محمد بن حسن عقيل موسى.

5- قيمة الزمن عند العلماء لعبد الفتاح أبو غدة.

6- صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لعبد الفتاح أبو غدة.

7- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء للدكتور محمد بن حسن عقيل موسى.

8- كيف أخدم الإسلام؟ للشيخ عبدالملك القاسم.

س5/ " من شب على شيء شاب عليه " تعليقكم على هذه العبارة، وما أثر التربية على بث الهمة والعزيمة في نفوس الأبناء؟

هذه العبارة أغلبية، وليست مطردة، فصحيح أن غالب أحوال من شبَّ على شيء أنه يَشِيْبُ عليه، ويموت عليه، ويبعث عليه، ولكن هذه العبارة كما قلت غير مطردة فهناك أناس كانوا صالحين في شبابهم ثم لما كبر سنهم ورق عظمهم غيروا وبدلوا - نسأل الله السلامة والعافية -، وهناك من قضى شبيبته في ضياع ولهو ولما شاب أحسن فيما بقي، ودليل ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً وفيه:« فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ » . أخرجه البخاري(3154)، ومسلم(2643)

هذا بالنسبة للعبارة السابقة، أما بالنسبة للتربية فإن التربية على معالي الأمور مهمة جداً، وهذه تعود إلى تربية الوالدين لأبنائهم وبناتهم على ذلك، فعلى الوالدين أن يربوا أولادهم على معالي الأمور، ويحتسبوا الأجر من الله تعالى على ذلك.

لكن لو قصر الوالدان في ذلك فهل يعذر الإنسان على ضعف همته وعزيمته؟

الجواب: لا؛ بل عليه أن يصحح مساره، ويُقَوِّمَ ذاته، ويعالج أخطاءه، ولا يكون قوله كقول من قبله:{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }[الزخرف:23]؛ بل يكون قوله:{عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ }.[القلم:32]

س6/ الدعوة إلى الله ميدان عظيم، ولابد لمن يدخل هذا الميدان من همة. برأيك هل يؤثر ضعف الهمة في مجال الدعوة إلى الله؟

بلا شك أن أي عمل يبدأ فيه الإنسان بهمة ضعيفة، ونفس بليدة سرعان ما يسقط ، فسقوط الهمة أصل الخذلان، وعمل المرء على قدر همته، والهمة طليعة الأعمال ومقدمتها، فإذا كانت الطليعة قوية مضت، وإن كانت الطليعة ضعيفة كسرت، وما أسرع الهلكة بعد هلاك الطليعة، قال أحد الصالحين:( همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من العمل) .صفة الصفوة(4/434)

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:( لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته).

وصدق المتنبي إذ يقول:

وَلَمْ أَرَ فِيْ عِيُوْبِ النَّاسِ عَيْبَاً

كَنَقْصِ الْقَادِرِيْنَ عَلى الْتَّمَامِ

س7/ الخشية من آفات القلوب؛ كالعُجب، والرياء تعد عائقاً من العوائق، والتي يمكن أن تؤدي إلى تثبيط همة الداعية، وفتور عزيمتها. كيف يمكن أن تتغلب الداعية على هذا العائق؟

نعم إنه مما ينبغي الحذر منه الحذر من الرياء والعجب الذي يفسد على العبد عبادته، ويكون بذلك من الذين ليس لهم حظ من أعمالهم إلا التعب والعناء، والبعد عن رب الأرض والسماء، فيجب على العبد أن تكون أعماله الظاهرة والباطنة خالصة لله - عز وجل - من غير رياء ولا سمعة، ولا يشرك أحد مع الله من خلقه، يقول الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء } [البينة:5] ، وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات، وَإِنَّمَا لِكُلِ اِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» .أخرجه البخاري(1)، ومسلم(5036)

وقد حذر الله ورسوله من الرياء أشد التحذير فقد جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». أخرجه مسلم(7666)

وجاء من حديث جندب بن جنادة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ ». أخرجه البخاري(6499)، ومسلم(7667).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». أخرجه مسلم(1987)

وقال سفيان بن عيينة - رحمه الله تعالى -:( من كانت معصيته في شهوة فَأَرْجُ له التوبة، فإن آدم- عليه السلام - عصى مشتهيًا فغفر له، فإذا كانت معصيته من كِبْرٍ فأخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرًا فَلُعن). مختصر منهاج القاصدين(ص:247)

وعلاج هذا الداء العضال هو بإخلاص العمل لله تعالى ، ومجاهدة النفس على ذلك، فلا ينظر للخلق؛ لأن الخلق لا ينفعون ؛ بل يضرون في مثل هذا الأمر، قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى -:(ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص الخلاص من هذين) وفي رواية عنه:(والإخلاص: أن يعافيك الله منهما). مدارج السالكين(2/95)

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:(العمل بغير إخلاص، ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقُلُه ولا ينفعه). الفوائد (ص:67)

وقال أبو علي الجوزجاني :( النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله - تعالى - به خيرًا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله - تعالى -، وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله - عز وجل -، وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل). الإحياء(3/362)

ويمكن أن نلخص شيئاً من العلاج لمثل هذا الداء بأمور منها:

1- أن يعلم المكلف علماً يقيناً بأنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضاً ولا أجراً، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه وإحسانٌ إليه لا معاوضة، فلماذا الرياء والعجب؟!

2- مشاهدته لمنَّة الله عليه وفضله وتوفيقه، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، فكل خير فهو مجر فضل الله ومنته، فلما الرياء والعجب؟!.

3- مطالعة عيوبه ، وآفاته وتقصيره فيه، وما فيه من حظِّ النفس ونصيب الشيطان، فَقَلَّ عمل إلا وللشيطان فيه نصيبٌ، وإن قل، وللنفس فيه حظ.

4- تذكير النفس بما أمر الله - عز وجل - به من إصلاح القلب، وإخلاصه وحرمان المرائي من التوفيق.

5- خوف مقت الله - عز وجل - وغضبه إذا اطلع على قلبه وهو منطوٍ على الرياء، والعجب.

الإكثار من العبادات غير المشاهدة، وإخفائها كقيام الليل، وصدقة السر، والبكاء خالياً من خشية الله تعالى؛ فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ} أخرجه الخطيب في التاريخ (11/263) والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة (1/296 )، والقضاعي في مسند الشهاب(1/267) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/398 )؛ وقال الخُرَيِْبي:(كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عملٍ صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها). تهذيب الكمال للمزي (14/464)

7- تحقيق تعظيم الله - تعالى -، وذلك بتحقيق التوحيد والتعبد لله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.

8- تذكر الموت وسكرته، والقبر وضمته، والقيامة وأهوالها.

9- معرفة مداخل العجب، والرياء وخفاياهما، حتى يتم الاحتراز منهما.

10- النظر في عاقبة الرياء، والعجب في الدنيا ، والآخرة.

11- مصاحبة أهل الإخلاص ،والصلاح ، والتقوى، فالجليس يؤثر على جليسة.

12- معرفة قيمة الدنيا ، وعدم بقائها.

13- الإكثار من الدعاء أن يخلصك الله من الرياء، والسمعة ، والعجب.

س8/ قال ابن القيم رحمه الله:" لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه "، فهناك بعض الداعيات من لا ينقصها العلم ولا علو الهمة لكن قد تمر ببعض المواقف مما يجعلها تتراجع في همتها. فهل من كلمة لها؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال أريد أن أبين قضية ، وهي أن العبد معرض للفتور والضعف، وهذا هو حال البشر؛ لأنه لا يدوم على حال واحدة إلا الله - عز وجل - ، أما البشر فيعتريهم الضعف، والفتور، والنقص؛ لأنه طبعهم، وطبيعتهم؛ لكن هذا الفتور والضعف لا يدوم؛ بل هو مرحلة وقتية وتزول، فإذا طال بالإنسان واستحوذ عليه كان مرضاً يجب علاجه، وورم يجب السعي إلى استئصاله.

وأما إجابة هذا السؤال، فلابد من معرفة هذا الموقف الذي كان سبباً في تراجع همة الداعية، فإذا عُرِفَ، عُرِفَت بعد ذلك أسبابه، ويمكن بعد ذلك علاجه، ولعلي قد وقفت على شيء من هذا في مقال سبق نشره في موقعكم المبارك وكان بعنوان: أيتها الداعيات: لماذا التهرب من الدعوة إلى الله تعالى؟ فليراجع فلعل فيه ما يفيد.

للوصول إلى المقال:

http://www.wdawah.com/contents/16985

س9/ لقد حَفِلَ تاريخنا الإسلامي بصور رائعة، ونماذج مشرقة من الهمم في الدعوة إلى الله. نريد أن نتعرف على بعض هذه الصور والنماذج لعلنا نتبع نهجهم، ونقتفي أثرهم.

إن الحديث عن موضوع النماذج المشرقة في هذه الأمة حديث يبدأ ولا ينتهي، ويفتح ولا يغلق، فهذه الأمة أمة ولودة، معطاءة، قدمها فلذات أكبادها في أجمل صورة وأبهاها، فكانوا خير من يمثل أمتهم، وأشرف من يتحدث عنها.

فكل من دخل في هذا الدين أشرب حبه قلبه، وتلذذت نفسه به، حتى أن الملاحظ أنه لا يدخل أحد في هذا الدين، أو يستقيم على شرع الله - تعالى - إلا وتجده أول عمل يعمله بعد تقويم نفسه يفكر كيف يدعو الناس إلى هذا الدين.

وأستأذنكم أن لا أتحدث عن نماذج سابقة ؛ لأن هذه سهل الرجوع إليها ، والإفادة منها في كتب العلم وأهله، ولعل في الكتب التي ذكرتها لكم سابقاً ما يغني، لكني أريد أن أذكر لكم نماذج معاصرة أختارها لكم ؛ ولأن الحديث مع الداعيات الفضليات فسأذكر أربعة نماذج نسائية : اثنان منها مشرقة، والنموذجين الأخريين غير مشرفة وهما لداعيتين نصرانيتين، وقصدت بإيرادهما أن يُعلم حرص أهل الباطل على باطلهم، وتخاذل بعض أهل الحق عن حقهم، فلعل هذين النموذجين ينفضان الغبار عن همة بعض الأخوات لنصرة دينهن ومنهجهن.

المشرقان والمشرفان:

النموذج الأول: يقول الشيخ عبدالملك القاسم في كتابه:(كيف أخدم الإسلام ص:28): كان هناك امرأة مشغولة بالدعوة لا تترك فرصة تذهب سدى دون نصح أو تأثير، كانت إذا ذهبت للحرم المكي،أو المسجد النبوي بذلت نفسها لتعليم المسلمات أمور دينهن، وحثهن على الحجاب الشرعي، رأت مرة مجموعة من الفتيات من إحدى الدول العربية قد كشفن رؤوسهن، وعندما سألتهن عن حضورهن بهذه الصورة، قلن لها: نحن عضوات فريق كرة الطائرة، وأتينا للعمرة, عندها بدأت - الموفقة - بالدعوة إلى الله معهن، وما قامت عنهن حتى تحجب بعضهن، يقول الشيخ: وقد رأيت رسالة من إحدى اللاعبات أرسلتها إلى الداعية تبشرها أنها بدأت تبعث في نفوس زميلاتها التمسك بالحجاب والستر والعفاف، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. [ آل عمران: 104 ]

النموذج الثاني : هذه امرأة أخرى كانت إذا أقبل موسم الحج قامت باختيار، وشراء الآلاف من الكتب باللغة الإندونيسية ثم وضعت كل مجموعة داخل مغلف ثم ترسل بها إلى الحجاج ليتم توزيعها هناك كل عام, فيا ترى كم استفاد من هذا الجهد المبارك؟!

المؤلمان المحزنان:

النموذج الأول:

هذا النموذج يرويه لنا الشيخ الدكتور الداعية عبدالرحمن السميط يقول : كنت في رحلة دعوية في أفريقيا وكانت في رمضان، فقلت لمن معي أريد أن أذهب إلى مكان لم يصله أحد من الدعاة إلى الآن، فقالوا : لكنه في مكان بعيد وطريقه شاق لا تصل إليه السيارات، إنما تسير إلى مكان قريب منه ثم يكون بعد ذلك السير على الأقدام، فقلت لهم : لا إشكال عندي، قالوا نذهب غداً من الصباح ولعلنا نصل المغرب أو قبله بقليل، قلت: خيراً، ولما صلينا الفجر عزمنا على الذهاب وكانت معنا سيارة وكانت تمشي قليلاً وتتوقف قليلاً لإصلاح الطريق وذلك لوعورته، يقول الشيخ : وعندما كُنَّا في بعض الطريق وصلنا إلى منطقة خضراء كثيرة الأشجار فقلت للسائق: توقف ، وكنت أريد أن أرفع الأذان في هذا المكان الذي ظننت أنه لم يذكر الله فيه ، وعندما توقف السائق، خرجت من السيارة لأرفع الأذان، وإذا بي أرى منظراً غريباً، امرأة شقراء في أفريقيا السوداء تجوب الغابة، فقلت لمن معي: من هذه؟! قالوا: امرأة لها خمس سنوات هنا؛ قلت ماذا تفعل هنا؟! قالوا: إنها امرأة نصرانية تدعو لدينها، يقول: فأصابني همٌ عظيم ولم أستطع أن أرفع الأذن من عظيم هذا المنظر عليَّ، امرأة في أدغال أفريقيا تدعو إلى دين محرف ، في صبر وجلد وليس لمدة أيام أو أشهر؛ بل لمدة سنين عجاف ، فقر وجوع ومرض وهذه متجلدة تدعو إلى دينها، فيا سبحان الله ما أجلد أهل الباطل.

قلت: فأين أنتم أيها الدعاة فضلاً عن الداعيات عن مثل هذا الجهد، والظنك، والعناء في خدمة دين محرف أبطله الإسلام.

النموذج الثاني:

حدثنا به الشيخ التويجري مدير مكتب دعوة الجاليات بالقصيم، يقول الشيخ: كان هناك امرأة نصرانية في أوربا، وكانت حاملاً فلما وضعت، توفي المولود، ومن الطبيعي أن المرأة إذا ولدت يكون فيها حليب لإرضاع وليدها، فلما مات وليدها جمعت متاعها، وعزمت على السفر؛ لكن إلى أين يا ترى؟! هل للنزهة والنقاهة؟ أم إلى أم تحن عليها، وإلى أبٍ يرعاها؟.

الجواب المؤلم : إن سفرها أيها الفضلاء سيكون لبلد من بلاد المسلمين، إلى أدغال أفريقيا السوداء، إلى بلد الفقر والجوع، والمرض والعناء، إلى بلد متخلف في شتى شؤون الحياة؛ لكن لا زال السؤال المحير يحتاج إلى جواب، لماذا يا ترى السفر إلى أفريقيا؟

عندما سئلت هذه المرأة عن ذلك قالت: إن هذا الحليب الذي في ثديي يزعجني.

ولك أخي، ولكِ أختي أن تتساءلون: وما الإشكال في ذلك؟ وما دخل أفريقيا في الحليب؟!

فكان الجواب كالصاعقة، قالت: إنه حليب نصراني لن يذهب هباء، أريد أن أرضع به أبناء المسلمين ليختلط بلحمهم وبدمهم هذا الحليب النصراني.

قلت: يا سبحان الله! امرأة لا زالت في نفاسها، ومعلوم ما يصيب المرأة من التعب، والعناء بعد الولادة، وكم تمكث بعد الولادة تُمَرَّض وتُرْعى لأجل أن تصح وتقوم بنفاسها.

وهذه امرأة من بلد من البلاد المتقدمة في شتى مجالات الحياة، صحة ، ومطعم ، وملبس، ومشرب، ومسكن، ومواصلات، وتنتقل إلى بلد يعد من البلدان المتخلفة في شتى مجالات الحياة، فقر، وعوز، وجوع ، ومرض، وقلة مواصلات، وسكن، كل هذا في أفريقيا التي ستذهب إليها المرأة الأوربية لإطعام أولادنا حليبها المتنجس بدينها المحرف، والله المستعان.

والسؤال المهم: إلى متى هذا التخاذل عن نصرة الدين، والعمل له؟!

وأترك الجواب لكم يا أهل الهمم العالية، والنفوس التواقة.

س10/ ما وصاياكم للداعية لشحذ الهمة؟

لعلي أجمل الحديث عن الوصايا للداعية في قسمين:

الأول: وصايا عامة:

1- صفاء المعتقد، وهذا من أهم ما ينبغي أن يتصف به صاحب الهمة العالية، لأن صفاء المعتقد هو الأساس الذي تقوم عليه جميع العمال، وإن فساد المعتقد لهو من أعظم الخذلان للعبد، ورد عمله ولو كان من أعمال البر والإحسان، والصلة لذوي الأرحام، يقول الله - تعالى -:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }.[الفرقان:23]

2- خلوص النية لله تعالى، فإنه لا خلاص إلا بالإخلاص، ولا قبول للعمل إلا بالإخلاص، وكل عمل لا إخلاص فيه فهو مردود على صاحبه، غير مبارك فيه.

3- العلم بما يقوم به الداعية من عمل، فكيف يمارس الدعوة من هو بحاجة إليها.

4- الصدق في القول ، والفعل، وله أعظم الأثر في نجاح العمل.

5- الصبر على تحمل بعض المشاق التي هي سبيل إلى بلوغ الهمة العالية، قال الله تعالى:{ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } . [العصر:3]، وما أصدق قول القائل:

تَاللهِ مَا الْـدَعَوَات تُهْـزَمُ بِالأَذَى

َلَّا وَفِيْ الْتَّــارِيْـخُ بَـرُ يَمِـيْنــي

ضَـعْ فِيْ يَدَيَّ الْقَيْدَ أَلْهِبْ أَضْلُعِيْ

بِالْسَّوْطِ ضَعْ عُنُقِيْ عَلَى الْسْكِّيْنِ

لَـنْ تَسْتَطِيْعَ حِصَارَ فِكْرِيَ سَاعَةً

َوْ نَــزْعَ إِيْمَـانِيْ وَنُـــوْرَ يَقِيْنِـيِ

فَـالْنُّوْرُ فِيْ قَلْبِيْ وَقَـلْبِيْ فِيْ يَدَيْ

رَبِــيْ وَرَبِـــيْ حَـافِظِـيْ وَمُعِــيْنِيِ

سَـأظَلُ مُعْتَصِمًا بِحَبْـلِ عَقِيْدَتِيْ

َأَمُــوْتُ مُبْــتَسِـمَاً لِيَــحْيَــا دِيْــنِيِ

6- الاحتساب في كل ما تقوم به من عمل، فهذا من الوصايا التي تشحذ الهمة، فإذا رجا العبد والأَمَةُ الأجر من الله لم يلتفت إلى أقوال الناس، وما في أيديهم.

7- البذل والتضحية، فأي عمل لا يقوم على البذل والتضحية فلن يؤتي ثماره، ولن يُرفع ذكره، فأي قضية لا يَبْذِلُ لها الداعي من عمره، ووقته، وفكره، وهمه ،وهمته، فلن تتجاوز سقف بيته، وأذكر نموذجاً واحداً للبذل والتضحية في سبيل الشيطان لا في سبيل ربنا الرحمن، هذا النموذج لـ( ميشيل عفلق ) رجل نصراني، أرثوذكسي، كان نموذجاً في البذل والتضحية، فكان من همته أن كان له في الأسبوع الواحد خمسة وثلاثون درسًا، وجلسة مع طلابه، بمعدل خمسة دروس يومياً، وكان شعاره:( أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة )، وقد بلغ مراده وحقق هدفه، بسبب حرصه وبذله وتضحيته لفكرته الشيطانية، فهو مؤسس أكبر حزب بعثي اشتراكي في العالم العربي، وقد تأسست دولتان عظيمتان تقوم سياستهما على حزب البعث هما سوريا والعراق، ولا زالت سوريا تدعو ، وتحكم بحزب البعث إلى الآن، وأما العراق فقد أسقط البعث وحزبه، ففي تشرين الثاني سنة2003م قامت قوات الاحتلال الصليبي بتدمير قبر ميشيل عفلق إثر قرار مجلس الحكم الانتقالي باجتثاث البعث، وكان قد هرب من سوريا إلى العراق وبقي فيها إلى أن هلك بها سنة: 1989م.

هذا جهد رجل واحد في الباطل ببذل واجتهاد، فكيف يكون اجتهاد أهل الحق لحقهم؟

8- التواضع، قال صاحب المنازل:(أن يتواضع العبد لصولة الحق) (مدارج السالكين2/333)، بمعنى أن يتلقى سلطان الحق بالخضوع له، والذل، والانقياد، والدخول تحت رقه بحيث يكون الحق متصرفًا فيه تصرف المالك في مملوكه، فبهذا يحصل للعبد خلق التواضع، ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الكبر بضده فقال:« بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» [رواه مسلم ، 91]؛ « فبَطَرُ الْحَقِّ » رده وجحده، والدفع في صدره؛ كدفع السائل، و« وَغَمْطُ النَّاسِ » احتقارهم وازدراؤهم ، ومتى احتقرهم وازدراهم دفع حقوقهم، وجحدها، واستهان بها، قال الفضيل بن عياض عندما سئل عن التواضع ما هو؟ قال:( أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته). الإحياء(3/362)

9- الشورى، قال الإمام الماوردي :(اعلم أن الحزم لكل ذي لب، ألا يبرم أمراً، ولا يُمضي عزماً، إلا بمشورة الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح، فإن الله - تعالى - أمر بالمشورة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده، فقال تعالى:{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [آل عمران:159]). أدب الدنيا والدين(ص:223)

10- التفاؤل الداعي للعمل، ويعتبر التفاؤل من الصفات المهمة لأي شخصية تريد النجاح وتبحث عنه، فالتفاؤل يزرع الأمل، ويحفز على النشاط والعمل، وما حمد التفاؤل إلاّ ؛ لأنه يدفع الإنسان إلى المضي، ويطرد عن النفس اليأس لينبعث صاحبها ويعمل في جد واجتهاد.

الثاني: وصايا خاصة لشحذ الهمم:

1- القيام بالفرائض على أكمل وجه.

2- الاهتمام بالنوافل فهي الزاد الإيماني للثبات ، ولإحسان، وبقاء الهم، وزيادة الهمة.

3- أعمال السر، فكم لأعمال السر الصالحة من أثر في نجاح الداعية، وشحذ الهمة، وكم لأعمال السر السيئة من فساد للعمل وذهاب بركته، وضعف الهم والهمة.

4- محاسبة النفس، ومراجعة النية والعمل من وقت لآخر، فهذا من أعظم أسباب تقويم العمل وشحذ الهمة.

5- الحرص الشديد على الوقت فلا يذهب إلا فيما ينفع.

6- إعطاء كل ذي حق حقه، فلا إفراط ولا تفريط، مع ترتيب الأعمال حسب أهميتها، للوصول والإنجاز، وللاستمرار والإنتاج.

7- عدم الرضا عن النفس الرضا المطلق؛ بل تكن الهمة عالية لبلوغ المنازل والرتب العَلِيَّة، يقول عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله تعالى -:( إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا شيء فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه - يعني الجنة -) تاريخ الخلفاء(ص:201)؛أما الرضا عن الذات والنفس - وخاصة في الأمور الدينية - فهو أسرع سبيل للهلاك، وأضعف عن بلوغ المراتب العليا.

يقول الشاعر:

وَالْنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبَتَها

فَإِذَا تُرَدُ إِلى قَلِيْلٍ تَقْنَعُ

8- كثرة الدعاء، فلا موفق إلا الله ولا معين إلا هو، ولا مسدد إلا إياه، فالانكسار على عتبة العبودية لله تعالى من أعظم أسباب التوفيق، ولنا في حاله - صلى الله عليه وسلم - مع دعائه لربه، وتوسله إليه ونضره وافتقاره ما يجعلنا نقبل على هذا الباب العظيم بكليتنا، وننكسر بين يديه راغبين في فضله، سائلين العون منه عز وجل.

ملحوظة: مراجعة إجابة السؤال الخامس فقد يكون فيها زيادة تحفيز وشحذ الهمة.

س11/ كلمة أخيرة لمتصفحي الموقع, وشكر الله لكم.

إخواني وأخواتي زوار هذا الموقع المبارك أقول لكم: هذا الموقع قد تميز بميز من أهمها:

1- اهتمامه بشريحة مهمة وغالية على المجتمع ألا وهن الداعيات إلى الله - تعالى -، والمواقع في هذا الباب تعد قليلة جداً.

2- تميز بجودة المادة العلمية.

3- حسن الانتقاء.

4- حسن في العرض.

5- دقة في المراجعة، وحسن في الإخراج، وذلك لا يكون إلا بعمل متقن دؤوب، وصبر وبذل، فأصبح هذا الموقع؛ كالمورد العذب الزلال الذي يرشف منه كل من يَرِدُ عليه، فمثل هذا الجهد يستحق الإشادة والإفادة، والصدور عنه بِتَضَلُّعٍ تام، ولا يكون المرور عليه مرور المسافر الرحال؛ بل مرور أهل الإقامة والاستقرار.

وفي الختام :

أشكر إخواني وأخواتي القائمين على هذا الموقع المبارك على حسن ظنهم بأخيهم، وإتاحة هذه الفرصة للحديث معهم، ومع الإخوة الزوار، كما وأسأل الله الكريم لهم التوفيق والسداد، وحسن النية والقصد إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط الحوار بموقع دعوتها: http://www.wdawah.com/contents/24024

روابط ذات صلة

اللقاء السابق
اللقاءات المتشابهة اللقاء التالي

جديد اللقاءات

.

تصميم وتطوير كنون