۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 703
بالامس : 840
لهذا الأسبوع : 4170
لهذا الشهر : 26184
لهذه السنة : 94790
منذ البدء : 3709030
تاريخ بدء الإحصائيات : 3-12-2012

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  46
تفاصيل المتواجدون

:: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} ::

المقال

:: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} ::

 د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني

{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}



الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه المصطَفَى، وعلى آلِه وصحبِه ومَن أَثَرَه اقتَفَى.

أمَّا بعدُ؛ فلقد بعث اللهُ رسولَه مُحمَّدًا -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- على حينِ فترةٍ من الرُّسلِ، فأقام الحُجَّةَ، وبيَّن المَحَجَّةَ، وتَرَكَنا على البيضاءِ، ليلُها كنهارِها لا يَزِيغُ عنها إلَّا هالكٌ.

بل لم يَمُتْ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- إلَّا بعدَ أن بيَّن للأُمَّةِ كُلَّ شيءٍ؛ يقولُ أبو ذَرٍّ -رضي اللهُ عنه-: (تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا) [أخرجه الطَّبرانيُّ في «الكبير» (1647)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الصَّحيحة» (1803)]، فبيَّن الأحكامَ والشَّرائعَ، والأصولَ والثَّوابتَ، وعلَّمَنا كيف نتعاملُ معَ الأحداثِ والنَّوازلِ، والمُلِمَّاتِ والفتنِ.

وبهذا الوضوحِ والبيانِ يَعلمُ العبدُ يقينًا أنَّ الدِّينَ قد كَمُل، والشَّريعةَ قد تمَّت، فلا زيادةَ ولا نقصانَ، ولا تلبيسَ ولا بهتانَ؛ يقولُ العليمُ الرَّحمنُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فمَن أراد أن يُنقِصَ الدِّينَ ببدعةٍ، أو يَثلِمَه بحَدَثٍ يُحدِثُه؛ فبدعتُه وحَدَثُه تُرَدُّ عليه ولا كرامةَ! وفي ذلك يقولُ المعصومُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ» [مُتَّفَقٌ عليه].

وبعدَ هذا البيانِ والوضوحِ، فعلى المسلمِ أن يَحذَرَ أشدَّ الحذرِ من إحداثِ شيءٍ في الدِّينِ بغيرِ دليلٍ ولا برهانٍ، أو الزِّيادةِ على شيءٍ جاء بحَدٍّ مُعيَّنٍ من الشَّارعِ بالاستحسانِ، أو إنقاصِ شيءٍ من الشَّرعِ لهوَى نفسٍ أو اتِّباعِ شيطانٍ، أو إملاءِ غاوٍ أو رغبةِ فتَّانٍ، أو تحسينِ عقلٍ قاصرٍ عن إدراكِ حقائقِ الإيمانِ!

إنَّ الواجبَ على المسلمِ أن يستسلمَ للهِ وينقادَ لشرعِه، مُتَّبِعًا رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بهذا يكونُ مُسلِمًا حقًّا، ومُتَّبِعًا صِدقًا. ولذلك أمر اللهُ -عزَّ وجلَّ- رسولَه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بالاستقامةِ، فقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، والأمرُ في الآيةِ أمرٌ لأُمَّتِه مِن بعدِه، فالاستقامةُ تكونُ بما أمر اللهُ لا بما يراه العبدُ؛ فإذا فسق عن هذا المنهجِ، وانحرف عن هذه الشَّريعةِ = كان ممَّن خاب عملُه وضلَّ سعيُه! واللهُ المستعانُ.

إنَّ الانحرافَ عن الشَّريعةِ، والزَّيغَ عنها له أسبابٌ كثيرةٌ، وروافدُ عديدةٌ، ومن أعظمِها: رؤيةُ الأشياءِ وتَصوُّرُها على غيرِ مُرادِ الشَّارعِ الحكيمِ منها، وهذه مَزَلَّةُ قَدَمٍ، ومَدْحَضةُ عَقْلٍ، ومن هنا فرؤيةُ المُكلَّفِ للأشياءِ الواردةِ إليه تأتي على صُوَرٍ ثلاثٍ:

الأولى: الحقُّ المحضُ، الَّذِي لا يخالطُه باطلٌ.

الثَّانيةُ: الباطلُ المحضُ، الَّذِي لا يخالطُه حقٌّ.

الثَّالثةُ: الباطلُ المشوبُ بحقٍّ، أو الحقُّ المشوبُ بباطلٍ.

فالحقُّ المحضُ، والباطلُ المحضُ لا يُختلَفُ فيهما، فأمَّا الحقُّ المحضُ فيُقبَلُ ويُعتقَدُ، وأمَّا الباطلُ المحضُ فيُرَدُّ ويُذَمُّ ولا يُقبَلُ.

أمَّا الصُّورةُ الثَّالثةُ فهي الخطرُ الدَّاهمُ، والشَّرُّ القائمُ، والبلاءُ الدَّائمُ، والفتنةُ اللَّازمةُ، مجيءُ الباطلِ مشوبًا بحقٍّ، أو الحقِّ مشوبًا بباطلٍ، فمنهما يأتي الخطرُ، ويحصلُ التَّفرُّقُ والوقوعُ فيما لا يُحمَدُ.

لو جاء الباطلُ في صورتِه الحقيقيَّةِ، فرُؤِي باطلًا محضًا؛ لَرَدَّتْه العقولُ، ومَجَّتْه النُّفوسُ، ولكنْ عندَما زُيِّن بالحقِّ زورًا، ولُبِّس بالصِّدقِ كذبًا = اختَلَط حقُّه بباطلِه، وكذبُه بصدقِه، فكان التَّزييفُ فيه داعيًا لقبولِه، والتَّلبيسُ جالبًا للاعتقادِ فيه! ولذلك ذَمَّ اللهُ اليهودَ الَّذين يَلبِسُونَ الحقَّ بالباطلِ، ويَكتُمون الحقَّ، فنهاهم عن تلك الفعلةِ القبيحةِ، وحذَّرهم منها بقولِه سُبحانَه: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]، بل أمرهم بإظهارِ الحقِّ والتَّصريحِ به، وعدمِ كتمانِه وإخفائِه؛ لأنَّ كتمانَه وإخفاءَه يجعلُ مخفيَّه يُقِيمُ موضعَه باطلًا، فيَلبِسَ الحقَّ بالباطلِ، يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (مَن كتم الحقَّ؛ احتاج أن يُقِيمَ موضعَه باطلًا، فيَلبِسُ الحقَّ بالباطلِ، ولهذا كان كلُّ مَن كتم مِن أهلِ الكتابِ ما أَنزَل اللهُ فلا بدَّ أن يُظهِرَ باطلًا) [«مجموع الفتاوى» 7/173].

يقولُ الرَّازيُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (واعلَمْ أنَّ إضلالَ الغيرِ لا يَحصُلُ إلَّا بطريقينِ؛ وذلك لأنَّ الغيرَ إن كان قد سَمِع دلائلَ الحقِّ؛ فإضلالُه لا يمكنُ إلَّا بتشويشِ تلك الدَّلائلِ عليه، وإن كان ما سَمِعها؛ فإضلالُه إنَّما يمكنُ بإخفاءِ تلك الدَّلائلِ عنه، ومنعِه من الوصولِ إليها) [«مفاتيح الغيب» 3/485].

إنَّ التَّدلِيسَ والتَّلبيسَ، والمُراوَغةَ والخِداعَ من أعظمِ صفاتِ الأُمَّةِ المغضوبِ عليها، ولذلك ذَمَّهم اللهُ به، فمَن اتَّصف به ففيه شَبَهٌ منهم، واقتداءٌ بهم!

التَّلبيسُ هو إظهارُ الباطلِ في صورةِ الحقِّ، وتجليةُ الشَّرِّ في صورةِ الخيرِ، فيحصلُ به اللَّبسُ، وتَزِلُّ فيه الأقدامُ، ويصعبُ على المُتلبِّسِ به التَّخلُّصُ منه، فيعيشُ صراعًا عظيمًا، لا يُخرِجُه منه إلَّا هدايةُ توفيقٍ من اللهِ تعالى، أو دلالةُ عالمٍ يُبيِّنُ له خلطَه، ويُعِيدُه إلى رُشدِه، وفي الغالبِ لا يَرجِعُ المُتلبِّسُ بالشُّبهةِ إلى صوابِه، ولا يُلهَمُ رُشدَه، فتجدُه يستجلبُ التَّأويلاتِ والشُّبهاتِ، ويأتي على النُّصوصِ بِلَيِّ أعناقِها تقريرًا لشبهتِه، أو تحقيقًا لنصرةِ مُعتقَدِه، وقد ذمَّ اللهُ مَن هذا فِعلُه بقولِه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78]، والخطابُ الواردُ في الآيةِ الكريمةِ مُوجَّهٌ لأهلِ الكتابِ، إلَّا أنَّ النَّهيَ عن إلباسِ الحقِّ بالباطلِ وكتمانِ الحقِّ يشملُ المسلمين أيضًا؛ لأنَّ الآيةَ عامَّةٌ، والعبرةُ بعمومِ اللَّفظِ لا بخصوصِ السَّببِ.

إنَّ كثيرًا ممَّن زلَّت بهم القَدَمُ، وانحرف بهم الفكرُ أُتُوا من هذا المسلكِ، ودُخِل عليهم من هذا البابِ، فخلطُ الحقِّ بالباطلِ من أعظمِ الأسبابِ الَّتي تُجافِي بالعبدِ عن المنهجِ القويمِ، والصِّراطِ المستقيمِ، فيتملَّكُه الباطلُ بشُبهةِ الحقِّ الَّذي فيه، فتَتعصَّبُ بعدَ ذلك له نفسُه، وتغلبُه شهوتُه، فيُقدِّمُ الهوى على الهُدَى، فيَضِلُّ بعلمٍ أو بغيرِ علمٍ!!

لقد أَدرَك أهلُ الباطلِ أنَّه لا يمكنُ أن يَنفُقَ باطلُهم، وتروجَ بضاعتُهم إلَّا عندَما يشوبونه ويَلبِسُونه بلباسٍ به يُقبَلُ ويروجُ، ويكونُ له أهلٌ ودعاةٌ ينافحون عنه ويبذلون له، فلذلك حرصوا على هذا التَّلبيسِ، وقصدوا هذا التَّدليسَ؛ لأنَّه سيُوفِّرُ عليهم جهدَهم، ويُحقِّقُ لهم بُغيتَهم.

كثيرٌ من أهلِ الباطلِ ما راج باطلُهم إلَّا لَمَّا ادَّعَوْا زورًا أنَّه حقٌّ، فلَمَّا انتشر أمرُه، وعلا زَبَدُه، أظهروه بالصُّورةِ الَّتي كانوا يُبطِنون، وبالهيئةِ الَّتي كانوا بها يُسِرُّون، فالباطلُ لا يروجُ -في الغالبِ- إلَّا إذا كان مشوبًا بحقٍّ، ويقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمه اللهُ تعالى-: (لا يَنفُقُ الباطلُ في الوجودِ إلَّا بشَوبٍ من الحقِّ) [«مجموع الفتاوى» 35/190].

إنَّ تلبيسَ الحقِّ بالباطلِ إفسادٌ للإسلام، وزعزعةٌ لِقِيَمِه وثوابتِه، فبالتلبيسِ يُدخَلُ السَّقيمُ على الصَّحيحِ، والدَّخيلُ على المَكِينِ الأَصيلِ، حتَّى يُغلَبَ النَّاسُ على هذا الفهمِ المنكوسِ، فإذا ما قامت دعوةٌ تصحيحيَّةٌ تدعو إلى الرُّجوعِ إلى المنهجِ الحقِّ والصِّراطِ المستقيمِ = أَنكَرُوها، واتَّهَموا النَّاصحين فيها بالرَّجعيَّةِ والجمودِ، والعَضِّ على ظاهِرِ النُّصوصِ دونَ رُوحِها! كذا يزعمُ دعاةُ التَّلبيسِ والتَّدليسِ، ولسانُ حالِهم عندَ نُصحِ النَّاصحين ينطقُ بقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ _ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11-12]؛ وفي هذا المعنى يقولُ الصَّحابيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-: (كيف أنتم إذا لَبِسَتْكُم فِتْنةٌ يَربُو فيها الصَّغيرُ، ويَهرَمُ فيها الكبيرُ، يَجرِي عليها النَّاسُ يتَّخذُونها سُنَّةً، إذا غُيِّر منها شيءٌ قيل: "غُيِّرتِ السُّنَّةُ"؟!) فقِيلَ: متى ذلك يا أبا عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: (إذا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكم، وكَثُرَتْ أُمَراؤُكم، وقَلَّتْ أُمَناؤُكم، والتُمِسَتِ الدُّنيا بعملِ الآخرةِ) [أخرجه الحاكمُ في «المُستدرَك» 4/560، وابنُ أبي شيبةَ في «المُصنَّف» 15/24، والبيهقيُّ في «الشُّعَب» 9/212].

إنَّ هذا التَّلبيسَ والتَّضليلَ ينتهي بالمسلمين إلى الفُرقةِ الَّتي يصعبُ معَها الاجتماعُ؛ إذْ كلُّ طائفةٍ بما لديهم فَرِحون، وبما هم عليه مُستَمْسِكون، ويَرَوْنَ غيرَهم من الضَّالِّين، إن لم يكونوا عن الإسلامِ خارجينَ!! فتَحصُلُ الفُرقةُ والشِّقاقُ، والتَّفسيقُ والتَّبديعُ، وتكثرُ الأحكامُ والمُسمَّياتُ، وهذا أثرٌ من آثارِ التَّضليلِ والتَّلبيسِ الَّذي يفعلُ بالمجتمعاتِ ما لا تفعلُه الجيوشُ الجرَّارةُ العاتيةُ!

اللَّبسُ والتَّلبيسُ إنَّما يقعُ إذا غاب العلمُ بسبيلِ الحقِّ وسبيلِ الباطلِ، أو بأحدِهما، كما قال الفاروقُ -رضي اللهُ عنه-: (إنَّما تُنقَضُ عُرَى الإسلامِ عُروةً عُروةً إذا نَشَأَ في الإسلامِ مَن لم يَعرِفِ الجاهليَّةَ) [هذا الأثرُ لم أَجِدْه في كتبِ السُّنَّةِ والآثارِ، وإنَّما نقله عن عُمَرَ -رضي اللهُ عنه- ابنُ تيميَّةَ في «الفتاوى» 10/103]، فيجبُ على أهلِ العلمِ الوقوفُ بحزمٍ لبيانِ الشُّبَهِ ودحضِها، والمُلتبِساتِ وخطرِها، فيَدفَعُون هذه الفتنةَ بسُلطانِ العلمِ الصَّحيحِ، وخاصَّةً في هذا الزَّمنِ الَّذي انتَفَخ فيه الباطلُ، وكَثُر زَبَدُه، وتَسلَّطَ أهلُه.

وختامًا، إنَّ صُوَرَ لبسِ الحقِّ بالباطلِ كثيرةٌ، ولها أشكالٌ مُختلِفةٌ، ولا يمكنُ حصرُها في هذا المقامِ، فهذا المقامُ مقامُ تأصيلٍ لا تفصيلٍ، وتقعيدٍ لا تمثيلٍ، ولَعَلَّنا نشيرُ إشارةً عَجْلَى لبعضِ صُوَرِ التَّلبيسِ دونَ تفصيلٍ:

- الدَّعوةُ إلى وحدةِ الأديانِ: وهذه الدَّعوةُ يكفي في إبطالِها قولُ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، لكنَّ أعداءَ اللهِ زيَّنوها بألفاظٍ برَّاقةٍ، مثلَ قولِهم: الإخاءُ الدِّينيُّ - وحدةُ الأديانِ - التَّفاهمُ بينَ الأديانِ - نبذُ التَّعصُّبِ المذهبيِّ - الصَّداقةُ الإسلاميَّةُ المسيحيَّةُ - التَّضامنُ الإسلاميُّ المسيحيُّ - التَّعايشُ بينَ الأديانِ - الأديانُ الإبراهيميَّةُ ...

- الشِّعاراتُ الخادعةُ، والعباراتُ المُضلِّلةُ: كدعوتِهم إلى تحريرِ المرأةِ، وحفظِ حقوقِها ورعايتِها!! شعارٌ برَّاقٌ، وقولٌ في ظاهرِه الصِّدقُ، لكنَّ باطنَه الانحلالُ والفسادُ، والبغيُ والإفسادُ؛ فهم لا يَعْنُونَ حقوقَها الَّتي شرعها اللهُ لها، بل يزعمون زورًا أنَّ خروجَها وانفلاتَها عن أمرِ ربِّها هو تحريرُها وتمكينُها من حقوقِها!

وخُذْ مِثالًا آخرَ: تمريرُ الباطلِ بلباسِ الضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ، والقوانينِ المرعيَّةِ، ثُمَّ ما تلبثُ تلك الضَّوابطُ أن تكونَ ستارًا لمشاريعَ تخريبيَّةٍ، وبرامجَ إفساديَّةٍ!!

- سكوتُ العلماءِ عن بيانِ الحقِّ؛ فسكوتُهم عن الباطلِ كالإقرارِ منهم له، ولذلك أخذ اللهُ على أهلِ العلمِ بيانَ الحقِّ وعدمَ كتمانِه، وذَمَّ مَن كتمه وتَوعَّدَه، يقولُ اللهُ تعالى عن بعضِ أهلِ الكتابِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]، قال ابنُ جريرٍ الطَّبريُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (هذا مِيثاقٌ أَخَذ اللهُ على أهلِ العلمِ، فمَن عَلِم شيئًا فَلْيُعلِّمْه، وإيَّاكم وكتمانَ العلمِ؛ فإنَّ كتمانَ العلمِ هَلَكةٌ، ولا يَتكلَّفَنَّ رجلٌ ما لا علمَ له به، فيَخرُجَ مِن دِينِ اللهِ، فيكونَ مِن المُتكلِّفِين!

كان يُقالُ: مَثَلُ عِلْمٍ لا يُقالُ به كمَثَلِ كَنزٍ لا يُنفَقُ منه، ومَثَلُ حِكْمةٍ لا تَخرُجُ كمَثَلِ صنمٍ قائمٍ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ.

وكان يُقالُ: طُوبَى لِعَالِمٍ ناطقٍ، وطوبى لِمُستمِعٍ واعٍ. هذا رجلٌ عَلِم علمًا فعَلَّمَه وبَذَله ودعا إليه، ورجلٌ سَمِع خيرًا فحَفِظه ووعاه، وانتَفَع به) [«تفسير الطَّبريّ» 6/296].

- تسميةُ المُسمَّياتِ بغيرِ أسمائِها: وهذا مِن شَوْبِ الحقِّ بالباطلِ، ومِن صُوَرِه الكثيرةِ في عصرِنا قولُ بعضِهم عن الخمرِ: (مشروباتٌ رُوحِيَّةٌ)، وعن الرِّشوةِ: (هَدِيَّةٌ - إكراميَّةٌ - مُكافأةٌ وتقديرٌ لجهودِكم)، وعن المُنافِقين: (حَدَاثِيُّون، أو عَصْرانِيُّون، أو عَلْمانيُّون، أو تنويريُّون)، وعن الأحكامِ الوضعيَّةِ: (الشَّرعيَّة)!!!

أسألُ اللهَ للجميعِ الهدايةَ والتَّوفيقَ لِمَا فيه صلاحُ الأديانِ والأعمالِ.

مُرادِ , والزَّيغَ , تأتي , وروافدُ , إنَّ , قَدَمٍ، , الشَّريعةِ، , هنا , رؤيةُ , صُوَرٍ , إليه , غيرِ , الأشياءِ , ومَدْحَضةُ , للأشياءِ , الواردةِ , عديدةٌ، , الشَّارعِ , ثلاثٍ , ومن , أسبابٌ , وهذه , الحكيمِ , وتَصوُّرُها , كثيرةٌ، , على , عن , له , أعظمِها , عَقْلٍ، , المُكلَّفِ , الانحرافَ , مَزَلَّةُ , فرؤيةُ , منها، , عنها

جديد المقالات

.

تصميم وتطوير كنون