۩ القائمة الرئيسية ۩
۩ فوائد علمية ۩
۩ القصص الدعوية ۩
۩ البحث ۩
۩ الاستشارات ۩
۩ إحصائية الزوار ۩
۩ التواجد الآن ۩
يتصفح الموقع حالياً 89
تفاصيل المتواجدون
:: حالُ الإنسانِ عندَ حُلُولِ المُصِيبةِ ::
المقال
:: حالُ الإنسانِ عندَ حُلُولِ المُصِيبةِ ::
د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني
حالُ الإنسانِ عندَ حُلُولِ المُصِيبةِ
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه الَّذي اصطَفَى، وعلى آلِه، وصحبِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ العبدَ في هذه الدُّنيا مُعرَّضٌ لصنوفٍ من البلاءِ والاختبارِ، وما ذلك إلَّا لِيَعلَمَ اللهُ تعالى من العبدِ صبرَه ورِضاه، وحُسنَ قبولِه لحُكمِ اللهِ وأمرِه؛ قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [المُلْك: 2].
والإنسانُ عندما يُصابُ بمصيبةٍ، فإنَّ له أحوالًا في تَقبُّلِ تلك المصيبةِ، إمَّا بالعجزِ والجزعِ، أو بالصَّبرِ وحبسِ النَّفسِ عن الجزعِ، أو بالرِّضا، أو بالشُّكرِ.
قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ (ت751هـ) رحمه اللهُ تعالى: (والمصائبُ الَّتي تَحُلُّ بالعبدِ، وليس له حيلةٌ في دفعِها؛ كموتِ مَن يَعِزُّ عليه، وسرقةِ مالِه، ومرضِه، ونحوِ ذلك؛ فإنَّ للعبدِ فيها أربعَ مقاماتٍ:
أحدُها: مقامُ العجزِ، وهو مقامُ الجزعِ والشَّكوى والتَّسخُّطِ، وهذا لا يفعلُه إلَّا أقلُّ النَّاسِ عقلًا ودِينًا ومروءةً.
المقامُ الثَّاني: مقامُ الصَّبرِ، إمَّا للهِ، وإمَّا للمروءةِ الإنسانيَّةِ.
المقامُ الثَّالثُ: مقامُ الرِّضى، وهو أعلى من مقامِ الصَّبرِ، وفي وجوبِه نزاعٌ. والصَّبرُ مُتَّفَقٌ على وجوبِه.
المقامُ الرَّابعُ: مقامُ الشُّكرِ، وهو أعلى من مقامِ الرِّضى؛ فإنَّه يشهدُ البليَّةَ نعمةً، فيشكرُ المُبتلِيَ عليها) [«عُدَّة الصَّابرين» ص119-120 بتَصرُّفٍ، ط دار عالم الفوائد].
وقد علَّق على هذه المقاماتِ الأربعةِ الشَّيخُ مُحمَّدُ بنُ عُثَيمين -رحمه اللهُ تعالى- فقال: (للإنسانِ عندَ حلولِ المصيبةِ أربعُ حالاتٍ:
الحالُ الأوَّلُ: أن يتسخَّطَ.
الحالُ الثَّاني: أن يصبرَ.
الحالُ الثَّالثُ: أن يرضى.
الحالُ الرَّابعُ: أن يشكرَ.
هذه أربعُ حالاتٍ للإنسانِ عندَما يُصابُ بالمصيبةِ.
أمَّا الحالُ الأوَّلُ: أن يتسخَّطَ إمَّا بقلبِه، أو بلسانِه، أو بجوارحِه.
- فتَسخُّطُ القلبِ: أن يكونَ في قلبِه شيءٌ على ربِّه -عزَّ وجلَّ- من السُّخطِ والشَّرَهِ على اللهِ تعالى -والعياذُ باللهِ- وما أَشبَهَه، ويشعرُ وكأنَّ اللهَ قد ظلمه بهذه المصيبةِ!!
- وأمَّا باللِّسانِ: فأن يدعوَ بالويلِ والثُّبورِ: يا ويلاه! يا ثبوراه! وأن يَسُبَّ الدَّهرَ، فيُؤذِيَ اللهَ -عزَّ وجلَّ-، وما أَشبَهَه.
- وأمَّا التَّسخُّطُ بالجوارحِ؛ مثلَ: أن يَلطِمَ خَدَّه، أو يصفعَ رأسَه، أو ينتفَ شعرَه، أو يَشُقَّ ثوبَه، وما أَشبَهَ ذلك.
هذا حالُ السُّخطِ حالُ الهَلِعِينَ الَّذين حُرِموا من الثَّوابِ، ولم ينجوا من المصيبةِ، بل الَّذين اكتَسَبوا الإثمَ؛ فصار عندَهم مُصيبتانِ: مصيبةٌ في الدِّينِ بالسُّخطِ، ومصيبةٌ في الدُّنيا لِمَا أتاهم ممَّا يُؤلِمُهم!
أمَّا الحالُ الثَّانيةُ: فالصَّبرُ على المصيبةِ: بأن يحبسَ نفسَه، هو يكرهُ المصيبةَ ولا يُحِبُّها، ولا يحبُّ إن وقعت، لكن يُصبِّرُ نفسَه، لا يتحدَّثُ باللِّسانِ بما يُسخِطُ اللهَ، ولا يفعلُ بجوارحِه ما يُغضِبُ اللهَ تعالى، ولا يكونُ في قلبِه على اللهِ شيءٌ أبدًا، صابرٌ لكنَّه كارهٌ لها.
والحالُ الثَّالثةُ: الرِّضى بأن يكونَ الإنسانُ مُنشرِحًا صدرُه بهذه المصيبةِ، ويرضى بها رضاءً تامًّا، وكأنَّه لم يُصَبْ بها.
والحالُ الرَّابعةُ: الشُّكرُ، فيشكرُ اللهَ تعالى عليها، وكان الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا رأى ما يَكرَهُ قال: «الحمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ» [أخرجه ابنُ ماجه في كتابِ الأدبِ: باب فضل الحامدين 2/1250 رقم (3803)، قال البوصيريُّ في «الزَّوائد»: إسنادُه صحيحٌ. وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» 1/472 رقم (265)].
فيشكرُ اللهَ من أجلِ أن يُرتِّبَ له من الثَّوابِ على هذه المصيبةِ أكثرَ ممَّا أصابه) [«شرح رياض الصَّالحين» 1/121-122، وانظر: «الشَّرح المُمتِع» للشَّيخِ أيضًا 5/495].
هذا حالُ المُصابِ بمُصيبةٍ، أمَّا ما ينبغي لِمَن بلغته المصيبةُ أن يفعلَ؛ فينبغي له أيًّا كانت هذه المصيبةُ أمورٌ:
أ- الصَّبرُ؛ فيُسَنُّ الصَّبرُ على المصيبةِ، ويجبُ منه ما يَمنَعُه عن المُحرَّمِ. [«الفروع» 2/223].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ (ت728هـ) رحمه اللهُ تعالى: (والصَّبرُ واجبٌ باتِّفاقِ العلماءِ) [«الفُرْقان بينَ أولياءِ الرَّحمنِ وأولياءِ الشَّيطانِ» (ص265)].
قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ (ت751هـ) رحمه اللهُ تعالى: (والصَّبرُ واجبٌ بإجماعِ الأُمَّةِ، وهو نصفُ الإيمانِ؛ فإنَّ الإيمانَ نصفانِ: نصفٌ صبرٌ، ونصفٌ شُكرٌ) [«مدارج السَّالكين» 2/158 في منزلةِ الصَّبرِ].
والصَّبرُ هو: (حبسُ النَّفسِ عن الجزعِ والتَّسخُّطِ، وحبسُ اللِّسانِ عن الشَّكوى، وحبسُ الجوارحِ عن التَّشويشِ) [«مدارج السَّالكين» 2/162].
قال اللهُ تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ _ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ _ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
وعن أنسِ بنِ مالكٍ -رضي اللهُ عنه- قال: مَرَّ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بامرأةٍ تبكي عندَ قبرٍ، فقال: «اتَّقِي اللهَ واصبِرِي». قالت: إِلَيكَ عنِّي؛ فإنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبتي!! ولم تَعرِفْه، فقيل لها: إنَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فأتت بابَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فلم تَجِدْ عندَه بوَّابِينَ، فقالت: لم أَعرِفْكَ. فقال: «إنَّما الصَّبرُ عندَ الصَّدمةِ الأُولَى» [أخرجه البخاريُّ (1283)، ومسلمٌ (926)].
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ (ت852هـ) رحمه اللهُ تعالى، عندَ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما الصَّبرُ عندَ الصَّدمةِ الأُولَى»: (المعنى إذا وقع الثَّباتُ أوَّلَ شيءٍ يَهجُمُ على القلبِ من مُقتضَياتِ الجزعِ = فذلك هو الصَّبرُ الكاملُ الَّذي يَترتَّبُ عليه الأجرُ.
قال الخطَّابيُّ: المعنى أنَّ الصَّبرَ الَّذي يُحمَدُ عليه صاحبُه: ما كان عندَ مُفاجَأةِ المُصيبةِ, بخلافِ ما بعدَ ذلك فإنَّه معَ الأيَّامِ يسلو.
وحكى الخطَّابيُّ عن غيرِه: أنَّ المرءَ لا يُؤجَرُ على المصيبةِ؛ لأنَّها ليست من صُنعِه, وإنَّما يُؤجَرُ على حُسنِ تَثبُّتِه وجميلِ صبرِه.
وقال ابنُ بَطَّالٍ:( أراد أن لا يجتمعَ عليها مصيبةُ الهلاكِ وفقدُ الأَجرِ) [«فتح الباري» 3/494-495].
قال الإمامُ المُوفَّقُ ابنُ قُدَامةَ (ت620هـ) رحمه اللهُ تعالى: (وينبغي للمُصابِ أن يستعينَ باللهِ تعالى، ويَتعزَّى بعزائِه، ويَمتثِلَ أمرَه في الاستعانةِ بالصَّبرِ والصَّلاةِ، ويَتنجَّزَ ما وعد اللهُ الصَّابرين؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ _ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ _ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، ويَسترجِعَ) [«المُغنِي» 3/495].
ب- الرِّضا بالقضاءِ والقدرِ، والتَّسليمُ التَّامُّ للهِ عزَّ وجلَّ، وهذه الصِّفةُ هي مِن أعظمِ صفاتِ المُؤمِنِ المُتوكِّلِ على اللهِ، المُصدِّقِ بموعودِ اللهِ، الرَّاضي بحُكمِ اللهِ، وبما قضاه اللهُ تعالى وقَدَّره، بل الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ رُكنٌ من أركانِ الإيمانِ الواردةِ في حديثِ أميرِ المؤمنين عمرَ -رضي اللهُ عنه- الطَّويلِ، وفيه: (قال: فأَخبِرْني عن الإيمانِ. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أن تُؤمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقدرِ خيرِه وشرِّه») [أخرجه مسلمٌ (9)].
ج- قولُ: (إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون).
وذلك لِمَا جاء في قولِه تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [البقرة: 156].
وله أن يَزِيدَ: (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبتي، وأَخلِفْ لي خيرًا منها)؛ لِمَا جاء من حديثِ أُمِّ سَلَمةَ -رضي اللهُ عنها- قالت: سَمِعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «ما مِن عبدٍ تُصِيبُه مُصِيبةٌ فيقولُ: "إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، اللَّهُمَّ أْجُرنِي في مُصِيبتي، وأَخلِفْ لي خيرًا منها"؛ إلَّا أَجَرَه اللهُ في مُصِيبتِه، وأَخلَفَ له خيرًا منها». قالت: فلَمَّا تُوُفِّيَ أبو سَلَمةَ -رضي اللهُ عنه- قلتُ: ومَن خيرٌ مِن أبي سَلَمةَ صاحبِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟!! ثُمَّ عَزَم اللهُ عليَّ فقلتُها، فما الخُلْفُ؟! قالت: فتَزوَّجتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن خيرٌ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! [أخرجه مسلمٌ (918)].
د- أن تَعلَمَ أنَّ الدُّنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ؛ لذا فهي مليئةٌ بالمصائبِ والأكدارِ والأحزانِ، كما قال ربُّنا الرَّحيمُ الرَّحمنُ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 45]، وقال -عزَّ وجلَّ-: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4].
هـ- تَذكَّرْ أنَّ العبدَ وأهلَه ومالَه لِلَّهِ عزَّ وجلَّ؛ فله ما أَخَذ، وله ما أَعطَى، وكُلُّ شيءٍ عندَه بأجلٍ مُسمًّى. قال لَبِيدٌ:
وما المالُ والأَهْلُونَ إلَّا وَدَائِعٌ ... ولا بُدَّ يومًا أن تُرَدَّ الودائعُ
و- الاستعانةُ على المصيبةِ بالصَّلاةِ؛ قال اللهُ تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}؛ وقد كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا حَزَبَه أمرٌ صَلَّى. [أخرجه الإمامُ أحمدُ 1/206، وأبو داودَ (1319)، وحسَّنه الحافظُ ابنُ حجرٍ في «الفتح» 3/524، وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (1319)]، ومعنى حَزَبه: أي نَزَلَ به أمرٌ مُهِمٌّ، أو أصابه غَمٌّ.
وهذا حالُ المؤمنِ الصَّادقِ، الَّذي لا يخطرُ على قلبِه في وقتِ المحنِ والشَّدائدِ إلَّا تَذكُّرُ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه الَّذي بيدِه مفاتيحُ الفرجِ.
ولمَّا أُخبِرَ ابنُ عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما- بوفاةِ أحدِ إخوانِه؛ استَرجَعَ، وصلَّى ركعتينِ أطال فيهما الجلـوسَ، ثُمَّ قام وهـو يقولُ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}. [«فتح الباري» 3/524. قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: (أخرجه الطَّبرانيُّ بإسنادٍ حسنٍ). وانظر: «الفروع» لابنِ مُفلِحٍ 2/223].
ز- تَذكَّرْ ثوابَ المصائبِ، والصَّبرِ عليها، وإليكَ شيئًا منه:
1- دخولُ الجنَّةِ: قال اللهُ تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلِّ بَابٍ _ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرَّعْد: 23-24].
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ما لِعَبدِي المؤمنِ عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صفيَّه مِن أهلِ الدُّنيا ثُمَّ احتَسَبه إلَّا الجنَّةُ» [أخرجه البخاريُّ (6424)]. وصَفِيُّه هو حبيبُه المُصافِي؛ كالولدِ، والأخِ، وكُلِّ مَن يُحِبُّه الإنسانُ. والمُرادُ بقولِه عزَّ وجلَّ: «ثُمَّ احتَسَبه»: أي صَبَر على فقدِه راجيًا الأجرَ من اللهِ تعالى على ذلك. [«فتح الباري» 13/20].2- الصَّابرون يُوفَّوْنَ أُجُورَهم بغيرِ حسابٍ؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَر: 10]، قال الأوزاعيُّ: (ليس يُوزَنُ لهم ولا يُكالُ، إنَّما يُغرَفُ لهم غرفًا) [«تفسير ابن كثير» 4/52].
3- مَعِيَّةُ اللهِ للصَّابرين، وهي المعيَّةُ الخاصَّةُ المُقتضِيةُ للمعونةِ والنُّصرةِ والتَّوفيقِ؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
4- محبَّةُ اللهِ للصَّابرين؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
5- تكفيرُ السَّيِّئاتِ لِمَن صبر على ما يُصِيبُه في حالِ الدُّنيا، كَبُر المُصابُ أم صَغُر؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «ما يُصِيبُ المؤمنَ من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حَزَنٍ، ولا أذًى، ولا غَمٍّ, حتَّى الشَّوكة يُشاكُها إلَّا كفَّر اللهُ بها خطاياه». والنَّصَبُ التَّعبُ، والوَصَبُ المرضُ، وقيل: هو المرضُ اللَّازمُ.
قال الإمامُ القرافيُّ (ت684هـ) رحمه اللهُ تعالى: (المصائبُ كفَّاراتٌ جزمًا، سواءٌ اقتَرَن بها الرِّضا أم لا، لكنْ إنِ اقتَرَن بها الرِّضا عَظُم التَّكفيرُ، وإلَّا قَلَّ) [«فتح الباري» 11/242-243].
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما يَزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه, حتَّى يلقى اللهَ تعالى وما عليه خطيئةٌ» [أخرجه التِّرمذيُّ (2399)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الصَّحيحة» (2280)].
6- حصولُ الصَّلواتِ، والرَّحمةِ، والهدايةِ من اللهِ تعالى للعبدِ الصَّابرِ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
7- رفعُ منزلةِ المُصابِ؛ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنَّ العبدَ إذا سَبَقت له من اللهِ منزلةٌ لم يَبلُغْها بعملِه؛ ابتلاه اللهُ في جسدِه، أو في مالِه، أو في ولدِه، ثُمَّ صبَّره على ذلك حتَّى يُبلِّغَه المنزلةَ الَّتي سبقت له من اللهِ تعالى» [أخرجه أحمدُ 5/273، وأبو داودَ (3090)، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (2599)].
أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يجعلنَا عندَ البَلاءِ من الصَّابرين وعندَ الرَّاحةِ والخيرِ من الشَّاكرين.
واللهُ تعالى أعلمُ وأحكمُ، ورَدُّ العلمِ إليه أَسلَمُ.