۩ القائمة الرئيسية ۩
۩ فوائد علمية ۩
۩ القصص الدعوية ۩
۩ البحث ۩
۩ الاستشارات ۩
۩ إحصائية الزوار ۩
۩ التواجد الآن ۩
يتصفح الموقع حالياً 51
تفاصيل المتواجدون
:: الرِّحْلةُ العِلْميَّةُ بالدِّيارِ المِصْريَّةِ ::
المقال
:: الرِّحْلةُ العِلْميَّةُ بالدِّيارِ المِصْريَّةِ ::
د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِه الأمينِ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الرِّحلةَ في طلبِ العلمِ ممَّا رَغَّب فيه وحَثَّ عليه أهلُ العلمِ والفضلِ، ورَغَّب فيه أهلُ الهمَّةِ والبذلِ؛ وذلك لِمَا للرِّحلةِ في طلبِ العلمِ والفضائلِ من الخِلالِ والمكارمِ، ولِمَا فيها من تحصيلِ المناقبِ والمنافعِ، ولِمَا فيها من بلوغِ الكمالاتِ، وحصولِ المعارفِ والمعلوماتِ، ولِمَا فيها -أيضًا- من تَجدُّدِ النَّشاطِ، وشحذِ الهممِ؛ ولذلك يقولُ ابنُ خَلْدونَ -رحمه اللهُ تعالى- في «مُقدِّمتِه»: (إنَّ الرِّحلةَ في طلبِ العلومِ ولقاءِ المَشْيَخةِ = مزيدُ كمالٍ في التَّعليمِ؛ والسَّببُ في ذلك: أنَّ البشرَ يأخذون معارفَهم وأخلاقَهم وما يَتَحَلَّوْنَ به من المذاهبِ والفضائلِ، تارةً عِلمًا وتعليمًا ولقاءً، وتارةً مُحاكاةً وتلقينًا بالمباشرةِ، إلَّا أنَّ حصولَ المَلَكاتِ عن المباشرةِ والتَّلقينِ أشدُّ استحكامًا وأقوى رسوخًا، فعلى قدرِ كثرةِ الشُّيوخِ يكونُ حصولُ الملكاتِ ورسوخُها) [«المُقدّمة» (ص462) ط إبراهيم شَبُّوح].
? أهمِّيَّةُ الرِّحلةِ في طلبِ العلمِ:
إنَّ الرِّحلةَ في طلبِ العلمِ هي سَنَنُ أهلِه، ورغبةُ طالِبِيه، ومُنْيةُ سالِكِيه، كيف وبها يرتقي الطَّالبُ للمعالي، ويسلكُ سبيلَ أهلِ المباني، وينالُ شرفَ اللِّقاءِ والسَّماعِ من أهلِ الأسانيدِ العوالي؟
بها تتَّسعُ المداركُ، ويُفِيدُ المستفيدُ المُتعلِّمُ، وبها تنكشفُ حقيقةُ النُّفوسِ، وتبدو للرَّاحلِ قِلَّةُ البضاعةِ، وتنجلي عنه غشاوةُ العُجْبِ، ويُفتَقُ البصرُ عن ضعفٍ باهرٍ، وعجزٍ ظاهرٍ، فيحملُ ذلك على الجِدِّ والاجتهادِ، والبذلِ في التَّحصيلِ والازديادِ.
بالرِّحلةِ يتعرَّفُ المُرتحِلُ على أهلِ الفضلِ، وتتسامى نفسُه بمجالسةِ أهلِ النُّبلِ والذِّكْرِ، بمجالسةِ أهلِ النَّهْمةِ الواسعةِ، والنُّفوسِ التَّوَّاقةِ تترقَّى النُّفوسُ، وتَنضَجُ العقولُ.
إنَّ أهلَ العلمِ والفضلِ يُقدِّمون الرِّحلةَ على مُلازَمةِ الشُّيوخِ والجلوسِ عندَهم، وخاصَّةً إذا وُجِد مَن هو في الفضلِ أرفعُ، وفي الفقهِ أَلمَعُ، وفي الرُّسوخِ أَثبَتُ وأوسعُ، وفي العلومِ أَمهَرُ وأجمعُ.
قال عبدُ اللهِ ابنُ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ -رحمةُ اللهِ عليهما-: سألتُ أبي -رحمه اللهُ- عمَّن طَلَبَ العلمَ: تَرَى له أن يَلزَمَ رجلًا عندَه علمٌ فيَكتُبَ عنه، أو تَرَى أن يَرحَلَ إلى المواضعِ الَّتي فيها العلمُ فيَسمَعَ منهم؟ قال: يَرحَلُ، يَكتُبُ عن الكوفيِّين والبصريِّين وأهلِ المدينةِ ومكَّةَ، يُشَامُّ النَّاسَ، يَسمَعُ منهم. [«الرِّحلة في طلبِ الحديث» للخطيب (ص88)].
وقِيلَ له مرَّةً: أَيَرحَلُ الرَّجلُ في طلبِ العُلُوِّ؟ فقال: (بلى، واللهِ لقد كان عَلْقَمةُ بنُ قيسٍ النَّخَعيُّ، والأسودُ بنُ يزيدَ النَّخَعيُّ، وهما من أهلِ الكوفةِ بالعراقِ، يَبلُغُهما الحديثُ عن عمرَ -رضي اللهُ عنه- فلا يُقنِعُهما حتَّى يخرجا إلى عمرَ وهو بالمدينةِ، فيَسمَعانِه منه) [«مُقدّمة ابنِ الصَّلاح» (ص247)].
لقد عُرِف علماءُ المسلمين وطُلَّابُ العلمِ منهم بحُبِّهم وشغفِهم بالرِّحلةِ في طلبِ العلمِ والإسنادِ العالي، فنرى أحدَهم يقطعُ الفيافيَ والقِفَارَ، ويتنقَّلُ بينَ البُلدانِ؛ رغبةً في حديثٍ أو حديثينِ، أو سندٍ عالٍ أو سندينِ؛ فهذا جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضي اللهُ عنهما- رَحَل مَسِيرةَ شهرٍ إلى عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ -رضي اللهُ عنه-؛ كُلُّ ذلك لطلبِ حديثٍ واحدٍ؛ وعليه بوَّب الإمامُ البخاريُّ رحمه اللهُ تعالى: (بابُ الخروجِ في طلبِ العلمِ)، فأشار إليه إشارةً، وأَورَده كاملًا في «الأدبِ المُفرَدِ» 1/337، فقال:
حدَّثَنا موسى قال: حدَّثَنا همَّامٌ، عن القاسمِ بنِ عبدِ الواحدِ، عن ابنِ عَقِيلٍ، أنَّ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ حدَّثه: أنَّه بلغه حديثٌ عن رجلٍ من أصحابِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فابْتَعتُ بَعِيرًا فشَدَدتُ إليه رَحْلي شَهْرًا، حتَّى قَدِمتُ الشَّامَ، فإذا عبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ، فبَعَثتُ إليه أنَّ جابرًا بالبابِ، فرجع الرَّسولُ فقال: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ؟ فقلتُ: نعم. فخرج فاعتَنَقَني، قلتُ: حديثٌ بَلَغَني لم أَسْمَعْه، خَشِيتُ أن أموتَ أو تموتَ، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: «يَحشُرُ اللهُ العِبادَ -أو النَّاسَ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا. قلتُ: ما بُهْمًا؟ قال: ليسَ مَعَهم شيءٌ، فيُنادِيهم بصوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ -أحسبُه قال: كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ-: أنا المَلِكُ، لا يَنبَغِي لأحدٍ مِن أهلِ الجَنَّةِ يَدخُلُ الجَنَّةَ وأحدٌ مِن أهلِ النَّارِ يَطلُبُه بمَظْلِمةٍ، ولا ينبغي لأحدٍ مِن أهلِ النَّارِ يَدخُلُ النَّارَ وأحدٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ يَطلُبُه بمَظْلِمةٍ. قلتُ: وكيفَ، وإنَّما نأتي اللهَ عُرَاةً بُهْمًا؟ قال: بالحسناتِ والسَّيِّئاتِ».
فهذه الرِّحلةُ فيها من الفوائدِ ما فيها، ولعلَّ مِن أجلِّها: حِرصَ الصَّحابةِ -رضي اللهُ عنهم- على حفظِ حديثِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ونَهْمتُهم في ذلك، كما فيها سُنَّةُ الرِّحلةِ الَّتي سَنَّها أصحابُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لِمَن بَعْدَهم.
إنَّ شأنَ الرِّحلةِ قديمٌ، والحرصَ عليها عَتِيقٌ؛ فلم يكنْ مِن عهدِ الصَّحابةِ الأَجِلَّاءِ، بل هو مِن عهدِ موسى -عليه السَّلامُ-، وذلك عندَما رحل للخضرِ، وتَعلَّم منه، كما قَصَّ اللهُ علينا خبرَه في سورةِ الكهفِ، وما لاقى في سبيلِ تلك الرِّحلةِ من المشاقِّ والمتاعبِ، حتَّى أَصبَحتِ الرِّحلةُ سُنَّةً نبويَّةً، وشعارَ طلبةِ العلمِ إلى يومِ الدِّينِ.
ولأهمِّيَّةِ الرِّحلةِ في الطَّلبِ، فقد تَصدَّر للتَّصنيفِ فيها علماءُ، وكتب فيها نُبَهاءُ، ومِن تلك المُصنَّفاتِ الَّتي سارت بها الرُّكْبانُ، وتَلقَّاها أهلُ العلمِ بالرِّضا والرِّوايةِ: كتابُ الإمامِ الحافظِ أبي بكرٍ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ ثابتٍ المعروفِ بالخطيبِ البغداديِّ، كتاب: «الرِّحْلة في طلبِ الحديثِ»، ففي هذا السِّفْرِ الجليلِ ترى العَجَبَ العُجابَ من حرصِ علماءِ الإسلامِ، وشِدَّةِ رغبتِهم في العلمِ والتَّحصيلِ، وتَطلُّعِهم الشَّديدِ إلى الأسانيدِ العوالي في الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ.
ومِن هذا المُنطلَقِ كانت لي رحلةٌ قصيرةٌ، وتَنقُّلٌ يسيرٌ، في عصرِ الطَّائرةِ والباخرةِ، والقطارِ والسَّيَّارةِ؛ فكانتِ المشقَّةُ فيها شِبْهَ معدومةٍ، والتَّنقُّلُ فيها شِبْهَ نُزْهةٍ!
فكان ما كان من رحلةٍ لأرضِ الكِنانة مِصْرَ؛ طلبًا للعلمِ، وحرصًا على عُلُوِّ الإسنادِ، الَّذي قال عنه الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ -رحمه اللهُ تعالى-: (طلبُ عُلُوِّ الإسنادِ مِن الدِّينِ) [«الرِّحْلة في طلبِ الحديثِ» للخطيبِ (ص14)].
فهذه الرِّحلةُ بينَ يديكَ، بِعُجَرِها وبُجَرِها، وقلَّتِها وسُرعتِها؛ فلَعلَّكَ تنظرُ لهذه العُجالةِ فتنتفعَ، أو ترفعَ يديكَ بالدُّعاءِ فتدعوَ، أو تجتهدَ في الرِّحلةِ فتسموَ وترتقيَ.
وأخيرًا، تأمَّلْ في هذه الكلماتِ الصَّادقةِ، الَّتي مَحَّضَ لكَ فيها النُّصحَ إمامٌ من أئمَّةِ العلمِ والرِّحلةِ، والبيانِ والمعرفةِ، أَلَا وهو الإمامُ العلَّامةُ، والبحرُ الفهَّامةُ ابنُ قَيِّمِ الجَوْزيَّةِ -رحمه اللهُ تعالى-، حيثُ قال: (وأمَّا سعادةُ العلمِ؛ فلا يُورِثُكَ إيَّاها إلَّا بذلُ الوُسْعِ، وصدقُ الطَّلبِ، وصِحَّةُ النِّيَّةِ. وقد أَحسَن القائلُ في ذلك:
فقُلْ لِمُرجِّي مَعَالِي الأُمورِ ... بغيرِ اجتهادٍ: رَجَوتَ المُحالَا!
وقال الآخَرُ:
لَوْلَا المشقَّةُ ساد النَّاسُ كُلُّهُمُ ... الجُودُ يُفقِرُ، والإقدامُ قَتَّالُ!
[«مِفْتاح دار السَّعادةِ» 1/299 ط المجمع].
أسألُ اللهَ أن يجعلَ العملَ فيها -وفي غيرِها- له خالصًا، وأن يُجرِيَ الخيرَ والبركةَ لنا وعلى أيدينا، وأن يَجزِيَ خيرًا كُلَّ مَن أعانني فيها، ونَصَحَ لي، ويَسَّر لقائي بالمشايخِ والقُرَّاءِ.
? الرِّحْلةُ العِلْميَّةُ بالدِّيارِ المِصْريَّةِ ?
بفضلٍ من اللهِ وحدَه، تَهيَّئَتْ لي رحلةٌ لأرضِ الكنانةِ مِصْرَ، مِصْرِ العلمِ والعلماءِ، ومصرِ القرآنِ والقراءاتِ، ومصرِ المكارمِ والتَّضحياتِ، بحَقٍّ مصرُ بلدٌ عظيمٌ، وفيها عظماءُ وعلماءُ، وقُرَّاءٌ وفقهاءُ، لكنْ معَ هذه العظمةِ والعلمِ إلَّا أنَّها ابتُلِيت بمَن يَسلُبُ كرامتَها، ويُهِينُ أهلَ الدِّينِ فيها؛ فأسألُ اللهَ بعِزَّتِه وقُوَّتِه أن يُعِزَّ الإسلامَ وأهلَه، وأن يُذِلَّ النِّفاقَ وحِزْبَه.
# التَّهيئةُ والعزمُ:
في شهرِ شَعْبانَ من عامِ خمسةٍ وثلاثين وأربعِمئةٍ وألفٍ لهجرةِ سيِّدِ ولدِ عدنانَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- عزمتُ على الذَّهابِ لأرضِ الكنانةِ مصرَ؛ لأمورٍ عِدَّةٍ، ومنها طلبُ الإسنادِ العالي ممَّن له روايةٌ للقرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وكتبِ أهلِ العلمِ.
وبفضلٍ من اللهِ -سُبحانَه- تَمَّ لي بعضُ ما كنتُ أرجوه، وتَحقَّق لي ما كنتُ أصبو إليه؛ فحصلتُ على عِدَّةِ إجازاتٍ عِلْميَّةٍ خاصَّةٍ وعامَّةٍ من علماءَ وطلبةِ علمٍ، التَقَيتُهم وجالَستُهم، وقرأتُ عليهم، واستَأْنَستُ بهم؛ فكانت رحلةً ماتعةً، ولقاءتٍ علميَّةً نافعةً، بفضلِ اللهِ تعالى، تلقَّيتُ فيها فوائدَ ودُررًا، وناقشتُ أهلَ علمٍ نُبَلاءَ، فنهلتُ من علمِهم، وتعلَّمتُ من أدبِهم.
? البدايةُ:
لَمَّا وصلتُ إلى مَقَرِّ سَكَني بالقاهرةِ العامرةِ، تَمَّ التَّواصلُ معَ الشَّيخِ المِفْضالِ، والصَّاحبِ النَّبيلِ: الدُّكتور أبي الضُّحى عادلِ بنِ محمودٍ آل سدين مكِّيّ، فنَسَّق لي معَ جُملةٍ من المشايخِ والقُرَّاءِ المُسنِدِينَ، فكان خيرَ أخٍ مُعِينٍ، وصاحبٍ نبيلٍ، اجتهد في التَّنسيقِ للعبدِ الفقيرِ، وأَحسَنَ الظَّنَّ فاجتَهَد في حُسنِ الذِّكْرِ، وجَدَّ في تذليلِ الأمرِ، فليس له مِنِّي إلَّا أن أقولَ: أَسأَلُ اللهَ ألَّا يَحرِمَكَ الأجرَ.
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخِ المُقرِئِ عبدِ الفتَّاحِ بنِ مَدْكُورٍ:
وبدأتُ لقاءاتي بهم في يومِ الأحدِ المُوافِقِ 24/ 8/ 1435هـ، وكان أوَّلُ لقاءٍ معَ الوالدِ الفاضلِ، والمُقرِئِ المُتقِنِ، والمُعمَّرِ المُتواضِعِ فضيلةِ الشَّيخِ عبدِ الفتَّاحِ بنِ مدكورِ بنِ مُحمَّدِ بنِ بَيُّومي، وهو يسكنُ في قريةٍ قريبةٍ من القاهرةِ وهي تُعتبَرُ ضاحيةً من ضواحيها، وتُسمَّى قريةَ (أبو النُّمْرُس)، وهي تابعةٌ لمُحافَظةِ الجِيزةِ، تَوجَّهتُ لِمَنزلِ الشَّيخِ، وقد وصلتُ لمنزلِه بعدَ صلاةِ المغربِ مُباشَرةً، وكان في انتظارِنا ابنُه الأكبرُ، ورَحَّب بنا أجملَ ترحيبٍ، وذهب بنا إلى منزلِ الشَّيخِ، ودخلتُ على الشَّيخِ، فقابلتُ شيخًا مُعمَّرًا له من العمرِ 82 سنةً، يحملُ تواضعًا لطيفًا، ووقارًا مَهِيبًا، فيه رِقَّةُ أهلِ القرآنِ وهدوءُ حَمَلتِه، والشَّيخُ ذو دُعابةٍ غيرِ مُتكلَّفةٍ، مَن جَلَس معَه لا يُصِيبُه المللُ، وقد استأنستُ بالجلوسِ معَه كثيرًا.
الشَّيخُ -حفظه اللهُ تعالى- يسكنُ في منزلٍ متواضعٍ، ويجلسُ على جلسةٍ مرتفعةٍ من الأرضِ، وبجوارِه مِذْياعٌ قديمٌ، وعندَما دخلتُ عليه وسلَّمتُ رحَّب بي وسهَّل، وكعادةِ أهلِ مصرَ بَدَأَ بإكرامي، والسُّؤالِ عن حالي وبلدي والتَّعرُّفِ عليَّ، ثُمَّ طلبتُ منه أن يأذَنَ لي بالقراءةِ عليه، فأَذِن لي، فشرعتُ في القراءةِ بسورةِ الفاتحةِ، ثُمَّ بسُورةِ البقرةِ حتَّى نهايةِ الرُّبعِ الأوَّلِ، وهو يستمعُ، وبعدَ القراءةِ أَثنَى على القراءةِ والمخارجِ، ثُمَّ أجازني بالقرآنِ الكريمِ كاملًا بروايةِ حَفْصٍ عن عاصمٍ.
والشَّيخُ -وفَّقه اللهُ تعالى- مِن آخِرِ تلاميذِ العلَّامةِ المُقرِئِ الشَّيخِ عليِّ بنِ مُحمَّدٍ الضَّبَّاعِ، وأيضًا مِن تلاميذِ العلَّامةِ المُقرئِ عثمانَ بنِ سليمانَ بنِ مُرادٍ، وقد أجازني بأسانيدِه عنهما بروايةِ حفصٍ عن عاصمِ بنِ أبي النَّجودِ الكُوفيِّ، رحمةُ الله على الجميعِ.
وبعدَها طلبتُ منه أن أقرأَ عليه شيئًا من المتونِ العِلْميَّةِ في التَّجويدِ، فأَذِن لي، فقرأتُ عليه منظومةَ «السَّلسبيل الشَّافي في علمِ التَّجويدِ» (كاملةً)، ومنظومةَ «قَصْر المُنفصِل» (كاملةً)، كلاهما للشَّيخِ عثمانَ بنِ سليمان مُراد، كما قرأتُ عليه «تُحْفة الأطفال» (كاملةً)، و«المُقدِّمة الجَزَريَّة» (كاملةً)، وبعدَها استجزتُه فأَجازَني بهنَّ جميعًا.
والشَّيخُ يُركِّزُ كثيرًا على ضبطِ الأداءِ، والحرصِ على تحقيقِه، وقال: (ليستِ العِبْرةُ بحفظِ القرآنِ الكريمِ، فكثيرٌ يحفظون القرآنَ الكريمَ، وإنَّما العِبْرةُ بالأداءِ وضبطِه، وتحقيقِ المخارجِ والصِّفاتِ).
وقد أخذتُ في مُناقَشةِ الشَّيخِ في الفُرْجةِ بينَ الشَّفتينِ عندَ النُّطقِ بالإخفاءِ الشَّفويِّ، فأَقَرَّ بها.
وقال أيضًا: (إنَّ الإخفاءَ الشَّفويَّ مُتردِّدٌ بينَ مخرجينِ: بينَ مخرجِ الغُنَّةِ وهو من الخيشومِ، ومخرجِ الباءِ وهو من الشَّفتينِ، فعندَ الإطباقِ يكونُ القارئُ حقَّق مخرجًا واحدًا، والأصلُ أن يُحقِّقَ المخرجينِ، فيُحقِّق الغُنَّةَ، ثُمَّ الإطباقَ بالباءِ، ولا ينضبطُ ذلك إلَّا بالقولِ بالفُرْجةِ اليسيرةِ).
ومِن لطيفِ ما ذكر الشَّيخُ، قولُه: (أنا من مواليدِ: 1932م، وقد وَهَبَني والدي -رحمه اللهُ تعالى- للقرآنِ الكريمِ منذُ أنا في بطنِ أُمِّي، وذلك أنَّه كُلَّما رُزِق بمولودٍ مات، فلَمَّا حَمَلتْ بي أُمِّي، قال والدي: هذا قد وهبتُه للقرآنِ الكريمِ).
قلتُ: وقد كان من شأنِ الشَّيخِ أنَّه كان خادمًا للقرآنِ الكريمِ، ومُعلِّمًا له لأكثرَ من خمسينَ عامًا، فجزاه اللهُ خيرًا، وأَحسَن له الخاتمةَ، وجعل ما بَقِي من عمرِه عامرًا بالطَّاعةِ والصَّلاحِ، وخدمةِ القرآنِ الكريمِ وأهلِه.
مع الشيخ المقرئ عبدالفتاح بن مدكور بمنزله بأبي النُّمْرُس
إجازة الشيخ المقرئ عبدالفتاح بن مدكور
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخِ المُقرِئِ أحمدَ بنِ السَّيِّد فايد:
وفي اليومِ التَّالي وهو يومُ الاثنينِ المُوافِقُ 25/ 8/ 1435هـ، ذهبتُ لصلاةِ الظُّهرِ في مسجدِ الدُّكتور مُصطفَى محمود -رحمه اللهُ تعالى-، ومُقابَلةِ إمامِه الشَّيخِ المُقرِئِ أحمدَ بنِ السَّيِّدِ بنِ إسماعيل فايد شيخِ مَقْرأةٍ بوزارةِ الأوقافِ المصريَّةِ، وإمامِ مسجدِ مصطفى محمود، وعضوِ نقابةِ القُرَّاءِ ومُحفِّظي القرآنِ، والشَّيخُ قرأ السَّبعَ على الشَّيخِ عَرَفةَ بنِ عليٍّ المُلقَّبِ برَشِيدي.
وبعدَ الصَّلاةِ قابلتُ الشَّيخَ واستأذنتُه في القراءةِ عليه، فأَذِن لي، فشرعتُ في القراءةِ، فقرأتُ سورةَ الفاتحةِ، ثُمَّ سورةَ البقرةِ حتَّى نهايةِ الرُّبعِ الأوَّلِ، ثُمَّ أخذ الشَّيخُ في إعطائي مقاطعَ وهو يستمعُ، فأعطاني مقطعًا من سورةِ النِّساءِ، والأعرافِ، وطه، والفتحِ، وغيرِها؛ وكان معَ هذه القراءةِ مُناقَشةٌ لبعضِ أحكامِ التَّجويدِ وشواهدِها من «التُّحْفة»، و«الجَزَريَّة».
وبعدَما انتهَيْنا استجزتُه، فأجازني بالقرآنِ الكريمِ كاملًا بروايةِ حفصٍ عن عاصمٍ؛ فجزاه اللهُ عنِّي خيرًا، وكَتَب أجرَه.
ثُمَّ استأذنتُ الشَّيخَ في الانصرافِ، فأَذِن لي.
مع الشيخ المقرئ أحمد بن السيد فايد بمسجد د. مصطفى محمود
إجازة الشيخ المقرئ أحمد بن السيد فايد
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخةِ المُقرِئةِ الفاضلةِ تناظر النّجوليّ:
وبعدَها انطلقتُ من القاهرةِ، وذلك في السَّاعةِ الثَّانيةِ ظُهرًا، مُتوجِّهًا إلى مركزِ سَمَنُّود، وهو يبعدُ عن القاهرةِ ما يقربُ من (130 كلم)، وعندَما وصلتُ سَمَنُّود كان ذلك بعدَ صلاةِ العصرِ، وكان في انتظاري فضيلةُ الشَّيخِ الحبيبِ أحمد وَجِيه، فقابلتُه في قريةِ النَّاصِريَّةِ، وهي بلدةُ الشَّيخةِ الفاضلةِ المُقرِئةِ البَصِيرةِ بقلبِها تناظر بنتِ مُحمَّد مصطفى النّجوليّ، فذَهَبْنا للشَّيخةِ ونحنُ نمشي في أَزِقَّةٍ ضيِّقةٍ، والنِّساءُ المِصْريَّاتُ على عادتِهنَّ يَجلِسْنَ على أبوابِ منازِلِهنَّ، والشَّيخُ يسألُهنَّ عن الشَّيخةِ، فيُخبِرْنَه بأنَّها موجودةٌ في بيتِها، فأَخَذْنا نحثُّ الخُطى لإدراكِ الشَّيخةِ، وعندَما وَصَلْنا لبيتِ الشَّيخةِ، وجدتُ بيتًا مُتواضِعًا، وكان على بابِ ذلك البيتِ طالبتانِ صغيرتانِ في سِنِّ التَّاسعةِ أو العاشرةِ، يُجلِّلهُما الحجابُ، ويُزيِّنُهما أدبُ حَمَلةِ القرآنِ، مُنتظِرتينِ الدَّوْرَ في الدُّخولِ على الشَّيخةِ، وكان عندَ الشَّيخةِ بعضُ الأخواتِ يَقْرَأْنَ عليها، فأُخبِرْنَ بأنَّ ثَمَّ شيخًا من السُّعوديَّةِ يريدُ الدُّخولَ على الشَّيخةِ، فخَرَجْنَ من عندِها، ودَخَلْنا على الشَّيخةِ وكان معَنا أحدُ قرابتِها، فلَمَّا دخلتُ على هذه الشَّيخةِ البَصِيرةِ بقلبِها، دخلتُ على غُرفةٍ مُتواضِعةٍ، صغيرةِ الحجمِ، فهي ما يقربُ من مِتْرينِ في ثلاثةٍ! والبصيرةُ جالسةٌ في زاويةِ الغُرفةِ -على جلالةِ قدرِها- على حصيرٍ على الأرضِ، قد جلَّلتْ نفسَها بحجابِها حتَّى ما يُرى منها شيءٌ، وهي قد بلغتِ التِّسعينَ سنةً، فهي من مواليدِ سنةِ 1924م، ويعلمُ اللهُ لَجلالةُ القرآنِ باديةٌ عليها، بل تلك المهابةُ هزَّت كِياني حتَّى ما تَمالَكتُ عَبْرتي، فدافعتُها ثُمَّ سَلَّمتُ عليها، فردَّتِ السَّلامَ، وسأَلَتْني عن حاجتي، فأَخبَرْتُها أنِّي أريدُ القراءةَ عليها، والاستجازةَ منها، فسكتَتْ، ثُمَّ قالت: اقرَأْ. فقرأتُ عليها سُورةَ الفاتحةِ، ثُمَّ سُورةَ البقرةِ حتَّى نهايةِ الرُّبعِ الأوَّلِ بروايةِ حفصٍ عن عاصمٍ، وكانت تسألُني عن أحكامِ التَّجويدِ والشَّاهدِ من متنيِ «التُّحفةِ»، و«الجَزَريَّةِ» على ما أقولُ، وكانت تُبيِّنُ بعضَ الأحكامِ الَّتي نَمُرَّ عليها، ولَمَّا انتهيتُ من الرُّبعِ الأوَّلِ من البقرةِ، قالتْ: حَسْبُكَ. فقلتُ لها بعدَ ذلك: تُجِيزِينَنِي؟ فسكتتْ، ثُمَّ قالتْ: أُجِيزُكَ. ثُمَّ أَمَرتِ الأخَ القريبَ لها بكتابةِ الإجازةِ وتسليمِها لنا، فشكرتُها، ودعوتُ لها بخيرٍ ثُمَّ استأذنتُها، وخرجتُ من عندِها، وأنا لا تَحمِلُني رجلاي من مهابةِ ما رأيتُ من جلالةِ هذه الشَّيخةِ الَّتي جَمَعتِ القِراءاتِ العَشْرَ، وضَبَطَتْها، ثُمَّ أَوقَفَتْ نفسَها -بعدَ ذلك- لتعليمِ كتابِ اللهِ لأكثرَ من سبعين عامًا، تبتغي بذلك وجهَ اللهِ، كذا نَحسَبُها واللهُ حَسِيبُها.
والشَّيخةُ تناظر حَفِظتِ القرآنَ الكريمَ على الشَّيخِ مُحمَّدِ بنِ سيِّدِ بنِ عبدِ اللهِ أبو حلاوة، ثُمَّ قرأتِ القِراءاتِ السَّبْعَ على الشَّيخِ السَّيِّدِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الجوَّادِ، وهما شيخا الشَّيخِ إبراهيمَ السَّمنُّوديِّ، فهي تشاركُه في هذينِ الشَّيخينِ.
وبعدَ هذه الجلسةِ الماتعةِ واللِّقاءِ المُباركِ معَ هذه السَّيِّدةِ الفاضلةِ، استَأذَنتُها بالخروجِ، فأَذِنَتْ لي.
منزل الشيخة المقرئة تناظر بنت محمد النجولي
إجازة الشيخة تناظر بنت محمد النجولي
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخِ المُقرِئِ مُحمَّدِ بنِ يُونُسَ الغلبان:
وبعدَ الخروجِ انطلقتُ من مركزِ سَمَنُّود مُتَّجِهًا إلى مدينةِ دُسُوق التَّابعةِ لمُحافَظةِ كَفْرِ الشَّيخِ، وهي تبعدُ عن سَمَنُّود ما يقربُ من (100 كلم)، وكان الوصولُ إليها وقتَ أذانِ العشاءِ، فصَلَّيْنا المغربَ والعشاءَ في أوَّلِ مسجدٍ فيها، ثُمَّ توجَّهتُ إلى منزلِ الشَّيخِ مُحمَّدِ بنِ يُونسَ بنِ عبدِ الغنيِّ الغلبان الدُّسوقيّ المُقرِئِ بالجامعِ الإبراهيميِّ، وهو يُعتبَرُ من أعلى النَّاسِ إسنادًا في العالمِ حيثُ يَروِي القرآنَ الكريمَ والقراءاتِ السَّبْعَ عن الشَّيخِ الفاضليِّ بنِ عليٍّ أبو ليلة الدُّسوقيّ، فيكونُ بينَه وبينَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- 27 راويًا، وعندَما وصلتُ إلى بيتِ الشَّيخِ كان في انتظاري، وقد استَقْبَلَني -وفَّقه اللهُ تعالى- عندَ بابِ بيتِه، فأَحسَنَ التّرحابِ، وبعدَها دَخَلْنا منزلَه، وعندَما جَلَسْنا أخذ الشَّيخُ يُخبِرُني بحرصِ طلبةِ العلمِ على القراءةِ والتَّلقِّي من داخلِ مصرَ وخارجِها، وذكر لي بعضَ مَن قرأ عليه مِن داخلِ وخارجِ مصرَ.
والشَّيخُ مُحمَّدٌ يتمتَّعُ بصِحَّةٍ جيِّدةٍ، وذاكرةٍ حاضرةٍ، واستِحْضارٍ عالٍ لشواهدِ «الشَّاطبيَّة»، والشَّيخُ له من العمرِ 68 عامًا، بارَك اللهُ في عمرِه، وخَتَم له بخيرٍ.
وبعدَ ذلك استأذنتُه في القراءةِ عليه، فأَذِن لي، فقرأتُ عليه سورةَ الفاتحةِ، ثُمَّ سورةَ البقرةِ حتَّى نهايةِ الرُّبعِ الأوَّلِ بروايةِ الإمامِ عاصمٍ، ثُمَّ اختَبَرَني في ما يقربُ من عشرينَ سؤالًا في أوجهِ الرِّوايةِ لشُعْبةَ بنِ عيَّاشٍ وروايةِ حفصِ بنِ سُلَيمانَ، ثُمَّ بعدَها قرأتُ عليه «التُّحفة» (كاملةً)، و«الجَزَريَّة» كذلك، ثُمَّ استَجَزتُه، فأَجازَني بالقرآنِ الكريمِ بقراءةِ عاصمٍ، وكذا أجازني بـ«التُّحفةِ» و«الجَزَريَّةِ»؛ فجزاه اللهُ خيرًا.
وبهذا ختمتُ هذا اليومَ الحافلَ باللِّقاءاتِ والقراءةِ على المشايخِ الفضلاءِ، وبعدَها تَوجَّهتُ إلى القاهرةِ استعدادًا في اليومِ التَّالي لزيارةِ بعضِ المشايخِ والمُقرِئينَ.
مع الشيخ المقرئ محمد بن يونس الغلبان بمنزله بدسوق
إجازة الشيخ المقرئ محمد بن يونس الغلبان
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخِ المُقرِئِ د. عليِّ بنِ مُحمَّدٍ النَّحَّاس:
وفي يومِ الثُّلاثاءِ المُوافِقِ 26/ 8/ 1435هـ، تَمَّ التَّنسيقُ معَ فضيلةِ الشَّيخِ الدُّكتورِ عليِّ بنِ مُحمَّد توفيق بنِ عليٍّ النَّحَّاس لزيارتِه، فرحَّب الشَّيخُ، وبعدَ صلاةِ الظُّهرِ انطَلَقتُ من مَقَرِّ إقامتي إلى مَقَرِّ إقامةِ الشَّيخِ، والشَّيخُ يسكنُ في القاهرةِ، فزُرتُه في مقرِّ عملِه في صيدليَّتِه الَّتي يعملُ بها، فلَمَّا التقيتُ به رحَّب بي أجملَ ترحيبٍ، وأَحسَن في الإكرامِ، وقد رأيتُ من خُلُقِه وجميلِ أدبِه ما يحملُ على إجلالِه وتوقيرِه، والشَّيخُ له من العمرِ 75 عامًا، فهو من مواليدِ عامِ 1939م، وبعدَ المُحادَثةِ والمُؤانَسةِ استَجَزتُ الشَّيخَ فيما له من الرِّوايةِ، فأجازني إجازةً عامَّةً وخاصَّةً بجميعِ ما له من المَرْوِيَّاتِ والسَّماعاتِ والمُؤلَّفاتِ، وأجازني بثَبَتِ الأميرِ المُسمَّى بـ«سَدِّ الأَرَبِ مِن علومِ الإسنادِ والأدبِ» الَّذي يَروِيه عن والدِه، وهو يَروِيه عن الشَّيخِ العلَّامةِ مُحمَّد بَخِيت المُطِيعيّ مُفتِي مصرَ الأسبق، وبعدَها قرأتُ عليه شيئًا من «الأربعين النَّوويَّة»، و«تُحْفة الأطفال»، و«الجزريَّة»، وأجازني بها، وقد استأذنتُه في قراءةِ شيءٍ من القرآنِ، فأَذِن، فقرأتُ عليه سورةَ الفاتحةِ، والرُّبعَ الأوَّلَ من سورةِ البقرةِ، واستجزتُه فاعتَذَر بأنَّه لا يُجِيزُ إلَّا ختمةً كاملةً.
وبعدَ هذا اللِّقاءِ الماتعِ معَ الشَّيخِ، وبعدَما صَلَّيْنا العصرَ سَوِيًّا بمسجدٍ قريبٍ من مقرِّ صيدليَّةِ الشَّيخِ، استأذنتُه في الذَّهابِ فأَذِن لي؛ فجزاه اللهُ خيرًا.
مع الشيخ المقرئ د. محمد بن علي النحاس بصيدليته
بعض إجازات الشيخ المقرئ د. محمد بن علي النحاس
# اللِّقاءُ والقراءةُ على الشَّيخِ العلَّامةِ عبدِ الباسط هاشِم:
وبعدَها تَوجَّهتُ إلى فضيلةِ الشَّيخِ العلَّامةِ المُتقِنِ المُقرِئِ البَصِيرِ بقلبِه عبدِ الباسطِ بنِ حامدِ بنِ مُحمَّدٍ القاهريِّ المالكيِّ، المشهورِ بعبدِ الباسط هاشم، فزُرتُه بعدَ صلاةِ العصرِ في بيتِه في "بولاق أبو العلا" بالقاهرة، فدخلتُ عليه في غُرفتِه، فإذا الشَّيخُ الجليلُ الَّذي تَجاوَز الثَّمانينَ من عمرِه جالسٌ على سريرِه، وإحدى الأخواتِ تقرأُ عليه بالجمعِ عن طريقِ الهاتفِ، فأَوقَفَها الشَّيخُ ورحَّب بي وسهَّل، وطلب من أهلِه إحضارَ شيءٍ لي، ثُمَّ استَأذَنَني في أن تُتِمَّ الأختُ الَّتي كانت تقرأُ الآيةَ، فأَذِنتُ، فاستَمَع لها، ثُمَّ أَوقَفَها وقال لها: اتَّصِلِي غدًا. ثُمَّ أَخَذَ يُحادِثُني ويسألُني عن بلدي ومِن أين أنا، وعن حاجتي؛ فأخبرتُه أنِّي جئتُ للسَّلامِ عليه، والقراءةِ عليه، والاستجازةِ منه، ثُمَّ استأذنتُه في القراءةِ، فأَذِن لي، فشرعتُ في قراءةِ سورةِ الفاتحةِ، ثُمَّ سورةِ البقرةِ حتَّى نهايةِ الرُّبعِ الأوَّلِ، وهو يستمعُ، والشَّيخُ يهتمُّ كثيرًا بالوقفِ والابتداءِ، وبعدَها طلبتُ منه أن أقرأَ عليه شيئًا من المتونِ العلميَّةِ في التَّجويدِ، فأَذِن لي، فقرأتُ عليه منظومتَيْ «تُحْفة الأطفال»، و«المُقدّمة الجزريَّة» كاملتينِ، وبعدَها استجزتُه فأجازني بهنَّ جميعًا.
والشَّيخُ عبدُ الباسطِ تَلقَّى القرآنَ الكريمَ عن الشَّيخِ أحمدَ بنِ عبدِ الغنيِّ بنِ عبدِ الرَّحيمِ، وأيضًا عن الشَّيخِ محمودِ بنِ مُحمَّد خبوط، كلاهما من طريقِ الشَّيخِ حسنِ بنِ بيُّومي الشَّهير بالكراك.
ويُعتبَرُ الشَّيخُ من أعلى النَّاسِ إسنادًا؛ فقد تَلقَّى القرآنَ الكريمَ على شمروخِ بنِ مُحمَّدِ بنِ شمروخٍ الصَّفَديِّ، وأَخبَرَه أنَّه تلقَّاه عن المُتولِّي، وهذا يُعتبَرُ من أعلى الأسانيدِ في الأرضِ(1).
وبهذا الشَّيخِ الجليلِ، صاحبِ الوجهِ المُنِيرِ، والابتسامةِ الصَّافيةِ، والصَّوتِ الجميلِ، خَتَمتُ لقاءاتي بالمشايخِ الفضلاءِ والقُرَّاءِ النُّبلاءِ، وذلك مغربَ يومِ الثُّلاثاءِ السَّادسِ والعشرين من شهرِ شَعْبانَ لعامِ ألفٍ وأربعِمئةٍ وخمسةٍ وثلاثين.
وقد بَقِي الكثيرُ والكثيرُ من القُرَّاءِ والعلماءِ، في تلك البلادِ العِمْلاقةِ، أسألُ اللهَ أن يُيسِّرَ رحلةً قريبةً للاستفادةِ والإفادةِ منهم.
مع الشيخ المقرئ المتقن
العلامة عبدالباسط هاشم بمنزله ببولاق أبو العلا
إجازة الشيخ المقرئ عبدالباسط هاشم
الخاتمةُ:
وفي ختامِ هذه الرِّحلةِ العلميَّةِ، أَوَدُّ التَّنبيهَ إلى أنَّ القصدَ من سردِها هو تحفيزُ الطَّالبِ النَّجيبِ لبذلِ الوقتِ والجهدِ في طلبِ العلمِ، وزيارةِ العلماءِ وطُلَّابِهم، والأخذِ عن الأكابرِ والتَّتلمذِ عليهم، والاستفادةِ منهم.
إنَّنا في هذه الأيَّامِ نشاهدُ هوسَ الشَّبابِ بالسَّفرِ والتَّنقُّلِ في البُلدانِ بغيرِ هدفٍ، فنشاهدُ ضياعَ الأوقاتِ، وقتلَ الأعمارِ بحُجَّةِ التَّنزُّهِ والتَّعرُّفِ على البُلدانِ! وهذا مزلَّةُ قَدَمٍ، وخطأٌ في الفهمِ والتَّصوُّرِ؛ لأنَّه يُعرِّضُ نفسَه للآفاتِ والشَّهواتِ، وأخطرُ من ذلك التَّعرُّضُ للشُّبهاتِ، معَ ما يكونُ له من الأثرِ السَّيِّئِ في فكرِه، وضعفِ عبادتِه.
ولقد سَرَتْ هذه الآفةُ إلى بعضِ طُلَّابِ العلمِ، فشارَكوا أهلَ الهوسِ في هوسِهم، وأهلَ الضَّياعِ في ضياعِهم، وتركوا أعظمَ ما ينبغي عليهم فعلُه من الدَّعوةِ إلى اللهِ، وتعليمِ النَّاسِ، والرِّحلةِ للعلمِ والتَّعلُّمِ!
فيا مَن ابتُلِي بحبِّ السَّفرِ والتَّنقُّلِ: اجعَلْه للهِ، وتَنقَّلْ في ذاتِ اللهِ، وابذُلِ العلمَ لأهلِه، والنُّصحَ لطالِبِيه؛ تكنْ رحلاتُكَ نافعةً، وأجرُكَ جاريا موفورًا.
أسألُ اللهَ أن يَهدِيَ الجميعَ لِمَا يُحِبُّ ويرضى، وأن يُجنِّبَنا جميعًا الزَّلَلَ والخطأَ، وأن يجعلَنا من المُبارَكِينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على المُختارِ الأمينِ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لكنَّ سندَ الشَّيخِ شمروخ حولَه كلامٌ كثيرٌ جدًّا، فمِن أهلِ الإسنادِ مَن يُنكِرُ وجودَ هذه الشَّخصيَّةِ أصلًا، ومنهم مَن يُثبِتُها، والكلامُ فيها طويلُ الذُّيولِ، وعلى العمومِ فالشَّيخُ تَلقَّى القرآنَ الكريمَ والقراءاتِ عن غيرِ شمروخ، فتَصِحُّ له الرِّوايةُ بالسَّندِ المُتَّصِلِ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بفضلِ اللهِ تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الرحلة في طلب العلم مما رغب فيه وحث عليه أهل العلم والفضل، ورغب فيه أهل الهمة والبذل، وذلك لما للرحلة في طلب العلم والفضائل من الخِلال والمكارم، ولما فيها من تحصيل المناقب والمنافع، ولما فيها من بلوغ الكمالات، وحصول المعارف والمعلومات، ولما فيها – أيضًا - من تجدد النشاط، وشحذ الهمم، ولذلك يقول ابن خلدون - رحمه الله تعالى - في مقدته:( إن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم، والسبب في ذلك: أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما يتحلون به من المذاهب والفضائل، تارة: علمًا وتعليمًا ولقاءً، وتارة: محاكاة وتلقينًا بالمباشرة؛ إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكامًا وأقوى رسوخًا، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها وتفتحها) المقدمة (ص:963) طبعة دار الفجر للتراث.
? أهمية الرحلة في طلب العلم:
إن الرحلة في طلب العلم هي سَنَنُ أهله، ورغبة طالبيه، ومُنْيَة سالكيه، كيف وبها يرتقي الطالب للمعالي، ويسلك سبيل أهل المباني، وينال شرف اللقاء والسماع من أهل الأسانيد العوالي، بها تتسع المدارك، ويُفيد المستفيد المتعلم، وبها تنكشف حقيقة النفوس، وتبدو للراحل قلة البضاعة، وتنجلي عنه غشاوة العجب، ويفتق البصر عن ضعف باهر، وعجز ظاهر، فيحمل ذلك على الجد والاجتهاد، والبذل في التحصيل والازدياد.
بالرحلة يتعرف المرتحل على أهل الفضل، وتتسامى نفسه بمجالسة أهل النبل والذكر، بمجالسة أهل النهمة الواسعة، والنفوس التواقة تترقى النفوس، وتنضج العقول.
إن أهل العلم والفضل يقدمون الرحلة على ملازمة الشيوخ والجلوس عندهم، وخاصة إذا وجد من هو في الفضل أرفع، وفي الفقه ألمع، وفي الرسوخ أثبت وأوسع، وفي العلوم أمهر وأجمع، قيل للإمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: رجلٌ يطلب العلم يلزم رجلاً عنده علم كثير أو يرحل؟
قال:( يرحل، يكتب عن علماء الأمصار، فيشامُّ النَّاس، ويتعلم منهم) الرحلة في طلب الحديث للخطيب(ص:47).
وقيل له مرةً: أيرحلُ الرجل في طلب العلو؟
فقال:( بلى والله، لقد كان علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي - وهما من أهل الكوفة - بالعراق يبلغهما الحديث عن عمر - رضي الله عنه - فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر - وهو بالمدينة - فيسمعانه منه ). مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: 247).
لقد عُرِفَ علماء المسلمين وطلاب العلم منهم بحبهم وشغفهم بالرحلة في طلب العلم والإسناد العالي، فنرى أحدهم يقطع الفيافي والقفار، ويتنقل بين البلدان رغبة في حديث أو حديثين، أو سند عال أو سندين، فهذا جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - رحل مسيرة شهر إلى عبدالله بن أنيس - رضي الله عنه -، كل ذلك لطلب حديث واحد؛ وعليه بوب الإمام البخاري – رحمه الله تعالى -: باب الخروج في طلب العلم، فأشار إليه إشارة، وأورده كاملاً في "الأدب المفرد(1/337)"، فقال: حدثنا موسى قال حدثنا همام عن القاسم بن عبد الواحد عن بن عقيل أن جابر بن عبد الله حدثه أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ إِلَيْهِ رَحْلِي شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَنَّ جَابِرًا بِالْبَابِ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي، قُلْت : حَدِيثٌ بَلَغَنِي لَمْ أَسْمَعْهُ، خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ، أَوِ النَّاسَ، عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، أَحْسَبُهُ قَالَ: كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، وَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَدْخُلُ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، قُلْتُ: وَكَيْفَ ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عُرَاةً بُهْمًا ؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.
فهذه الرحلة فيها من الفوائد ما فيها، ولعل من أجلها: حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على حفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونهمتهم في ذلك، كما فيها سنة الرحلة التي سنها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن بعدهم.
إنَّ شأن الرحلة قديم، والحرص عليها عتيق، فلم يكن من عهد الصحابة الأجلاء بل هو من عهد موسى - عليه السلام -، وذلك عندما رحل للخضر، وتعلم منه، كما قص الله علينا خبره في سورة الكهف، وما لاقى في سبيل تلك الرحلة من المشاق والمتاعب، حتى أصبحت الرحلة سنة نبوية، وشعار طلبة العلم إلى يوم الدين.
ولأهمية الرحلة في الطلب فقد تصدر للتصنف فيها علماء، وكتب فيها نبهاء، ومن تلك المصنفات التي سار بها الركبان، وتلقها أهل العلم بالرضا والرواية، كتاب الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، كتاب:" الرحلة في طلب الحديث "، ففي هذا السفر الجليل ترى العجب العجاب من حرص علماء الإسلام وشدة رغبتهم في العلم والتحصيل، وحرصهم الشديد على الأسانيد العوالي في الحديث النبوي الشريف.
ومن هذا المنطلق كانت هناك رحلة قصيرة، وتنقل يسير في عصر الطائرة والباخرة، والقطار والسيارة، فكانت المشقة فيها شبه معدومة، والتنقل فيها شبه نزهة.
فكان ما كان من رحلة لبلاد الكنانة مصر طلبًا للعلم، وحرصًا على علو الإسناد، الذي قال عنه الإمام أحمد بن حنبل:( طلب علو الإسناد من الدين) الرحلة في طلب الحديث للخطيب(ص:14).
فهذه الرحلة بين يديك بِعُجْرِهَا وبُجْرِهَا، وقلتها وسرعتها، فلعلك تنظر لهذه العُجالة فتنتفع، أو ترفع يديك بالدعاء فتدعو، أو تجتهد في الرحلة فتسمو وترتفع.
وأخيرًا، تأمل في هذه الكلمات الصادقة، التي أمحض لك فيها النصح إمام من أئمة العلم والرحلة، والبيان والمعرفة، ألا وهو الإمام العلامة، والبحر الفهامة ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - حيث قال:( وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع، وصدق الطلب، وصحة النية، وقد أحسن القائل في ذلك:
فقل لمرجي معالي الامور ... بغير اجتهاد رجوت المحالا
وقال الآخر:
لولا المشقة ساد للناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال ) مفتاح دار السعادة (1/108).
أسأل الله أن يجعل العمل فيها وفي غيرها له خالصًا، وأن يجري الخير والبركة لنا وعلى أيدينا، وأن يجزي كل من أعانني فيها، ونصح لي، ويسر لقائي بالمشياخ والقراء خير الجزاء.
? الرحلة العلمية بالديار المصرية ?
بفضل من الله وحده تهيئت لي رحلة لبلاد الكنانة مصر، مصر العلم والعلماء، ومصر القرآن والقراءات، ومصر المكارم والتضحيات، بحق مصر بلد عظيم، وفيها عظماء وعلماء، وقراء وفقهاء، لكن مع هذه العظمة والعلم إلا أنها أبتليت بمن يسلب كرامتها، ويهين أهل الدين فيها، فأسأل الله بعزته وقوته أن يُعز الإسلام وأهله، وأن يُذل النفاق وأهله.
# التهيئة والعزم:
في شهر شعبان من عام خمسة وثلاثين وأربع مئة وألف لهجرة سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام - عزمت على الذهاب لبلد الكنانة مصر، لأمور عدة، ومنها طلب الإسناد العالي ممن له رواية للقرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب أهل العلم.
وبفضل من الله - سبحانه - تم لي بعض ما كنت أرجوه، وتحقق لي ما كنت أصبو إليه، فحصلت على عدة إجازات علمية خاصة وعامة من علماء وطلبة علم، التقيت بهم وجالستهم، وقرأت عليهم واستأنست بهم، فكانت رحلة ماتعة، ولقاءت علمية نافعة - بإذن الله تعالى -، تلقيت فيها فوائد ودررًا، وناقشت أهل علم نبلاء، فنهلت من علمهم، وتعلمت من أدبهم.
? البداية:
لما وصلت إلى مقر سكني بالقاهرة العامرة تم التواصل مع الشيخ المِفْضَال، والصاحب النبيل الدكتور أبو الضحى عادل بن محمود آل سدين مكي، فنسق لي مع جملة من المشايخ والقراء المسندين، فكان خير أخ معين، وصاحب نبيل، اجتهد في التنسيق للعبد الفقير، وأحسن الظن فاجتهد في حسن الذكر، وجد في تذليل الأمر، فليس له مني إلا أن أقول: أسأل الله أن لا يحرمك الأجر.
# اللقاء والقراءة على الشيخ المقرئ عبدالفتاح بن مدكور:
وبدأت لقاءاتي بهم في يوم الأحد الموافق 24/8/1435هـ، وكان أول لقاء مع الوالد الفاضل، والمقرئ المتقن، والمعمر المتواضع فضيلة الشيخ عبدالفتاح بن مدكور بن محمد بن بيومي، وهو يسكن في قرية قريبة من القاهرة وهي تعتبر ضاحية من ضواحيها، وتسمى قرية: " أبو الْنُّمْرُس "، وهي تابعة لمحافظة الجيزة، توجهت لمنزل الشيخ، وقد وصلت للمنزله بعد صلاة المغرب مباشرة، وكان في انتظارنا ابنه الأكبر، ورحب بنا أجمل ترحيب، وذهب بنا إلى منزل الشيخ، ودخلت على الشيخ، فقابلت شيخًا معمرًا له من العمر 82 سنة، يحمل تواضعًا لطيفًا، ووقارًا مهيبًا، فيه رقة أهل القرآن، وهدوء حملته، والشيخ ذو دعابة غير متكلفة، من جلس معه لا يصيبه الملل، وقد استأنس بالجلوس معه كثيرًا.
الشيخ - حفظه الله تعالى - يسكن في منزل متواضع، ويجلس على جلسة مرتفعة من الأرض، وبجواره مذياع قديم، وعندما دخلت عليه وسلمت رحب بي وسهل، وكعادة أهل مصر بدء بإكرامي، والسؤال عن حالي وبلدي والتعرف علي، ثم طلبت منه أن يأذن لي بالقراءة عليه فأذن لي، فشرعت في القراءة بسورة الفاتحة، ثم بسورة البقرة حتى نهاية الربع الأول، وهو يستمع، وبعد القراءة أثنى على القراءة والمخارج، ثم أجازني بالقرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم، والشيخ - وفقه الله تعالى - من آخر تلاميذ العلامة المقرئ علي بن محمد الضباع، وأيضًا من تلاميذ العلامة المقرئ عثمان بن سليمان بن مراد، وقد أجازني بأسانيده عنهما برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود الكوفي رحمة الله على الجميع.
وبعدها طلبت منه أن أقرأ عليه شيئًا من المتون العلمية في التجويد فأذن لي، فقرأت عليه منظومة السلسبيل الشافي في علم التجويد " كاملة "، ومنظومة قصر المنفصل " كاملة " كلاهما للشيخ عثمان بن سليمان مراد، كما قرأت عليه تحفة الأطفال" كاملة "، والمقدمة الجزرية" كاملة "، وبعدها استجزته فأجازني بهن جميعًا.
والشيخ يركز كثيرًا على ضبط الأداء، والحرص على تحقيقه، وقال:( ليست العبرة بحفظ القرآن الكريم، فكثير يحفظون القرآن الكريم، وإنما العبرة بالأداء وضبطه، وتحقيق المخارج والصفات).
وقد أخذت في مناقشة الشيخ في قول شيخه الشيخ عثمان بن سليمان بن مراد في الفرجة بين الشفتين عند النطق بالإخفاء الشفوي، فأقر بها، وقال:(ما زال الشيخ على هذا القول حتى مات، ولا صحة لمن نفاه عنه).
وقال - أيضًا -:( إن الإخفاء الشفوي متردد بين مخرجين، بين مخرج الغنة وهو من الخيشوم ومخرج الباء وهو من الشفتين، فعند الإطباق يكون القارئ حقق مخرجًا واحدًا، والأصل أن يحقق المخرجين فيحقق الغنة، ثم الإطباق بالباء، ولا ينضبط ذلك إلا بالقول بالفرجة اليسيرة ).
ومن لطيف ما ذكر الشيخ قوله:( أنا من مواليد:1932م، وقد وهبني والدي - رحمه الله تعالى - للقرآن الكريم منذ أنا في بطن أمي، وذلك أنه كلما رزق بمولود مات، فلما حملت بي أمي، قال والدي: هذا قد وهبته للقرآن الكريم)([1]).
قلت: وقد كان من شأن الشيخ أنه كان خادمًا للقرآن الكريم، ومعلمًا له لأكثر من خمسين عامًا، فجزاه الله خيرًا، وأحسن له الخاتمة، وجعل ما بقي من عمره عامرًا بالطاعة والصلاح، وخدمة القرآن الكريم وأهله.
مع الشيخ المقرئ عبدالفتاح بن مدكور بمنزلة بأبي النُّمْرُس
إجازة الشيخ المقرئ عبدالفتاح بن مدكور
# اللقاء والقراءة على الشيخ المقرئ أحمد بن السيد فايد:
وفي اليوم التالي وهو يوم الاثنين الموافق 25/8/1435هـ ذهبت لصلاة الظهر في مسجد الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله تعالى -، ومقابلة إمامه الشيخ المقرئ أحمد بن السيد بن إسماعيل فايد شيخ مقرأة بوزارة الأوقاف المصرية، وإمام مسجد مصطفى محمود، وعضو نقابة القراء ومحفظي القرآن، والشيخ قرأ السبع على الشيخ عرفة بن علي الملقب برشيدي.
وبعد الصلاة قابلت الشيخ واستأذنته في القراءة عليه فأذن لي، فشرعت في القراءة فقرأت سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية الربع الأول، ثم أخذ الشيخ في إعطائي مقاطع وهو يستمع، فأعطاني مقطعًا من سورة النساء، والأعراف، وطه، والفتح، وغيرها؛ وكان مع هذه القراءة مناقشة لبعض أحكام التجويد وشواهدها من التحفة والجزرية.
وبعدما انتهينا استجزته فأجازني بالقرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم، فجزاه الله عني خيرًا وكتب أجره؛ ثم استأذنت الشيخ في الانصراف فأذن لي.
مع الشيخ المقرئ أحمد بن السيد فايد بمسجد د. مصطفى محمود
إجازة الشيخ المقرئ أحمد بن السيد فايد
# اللقاء والقراءة على الشيخة المقرئة الفاضلة تناظر النجولي:
وبعدها انطلقت من القاهرة وذلك في الساعة الثانية ظهرًا متوجهًا إلى مركز سمنود، وهو يبعد عن القاهرة ما يقرب من: 130كلم، وعندما وصلت سمنود كان ذلك بعد صلاة العصر، وكان في انتظاري فضيلة الشيخ الحبيب أحمد وجيه، فقابلته في قرية الناصرية وهي بلدة الشيخة الفاضلة المقرئة البصيرة بقلبها تناظر بنت محمد مصطفى النجولي، فذهبنا للشيخة ونحن نمشي في أزقة ضيقة، والنساء المصريات على عادتهن يجلسن على أبواب منازلهن، والشيخ يسألهن عن الشيخة فيخبرنه بأنها موجودة في بيتها، فأخذنا نحث الخُطا لإدراك الشيخة، وعندما وصلنا لبيت الشيخة، وجدت بيتًا متواضعًا، وكان على باب ذلك البيت طالبتان صغيرتان في سن التاسعة أو العاشرة يُجللهن الحجاب، ويزينهن أدب حملة القرآن ينتظرن دورهن في الدخول على الشيخة، وكان عند الشيخة بعض الأخوات يقرأن عليها، فأخبروهن بأن هناك شيخ من السعودية يريد الدخول على الشيخة، فخرجن من عندها، ودخلنا على الشيخة وكان معنا أحد قرابتها، فلما دخلت على هذه الشيخة البصيرة بقلبها، دخلت على غرفة متواضعة، صغيرة الحجم فهي ما يقرب من مترين في ثلاثة، والبصيرة جالسة في زاوية الغرفة - على جلالة قدرها - على حصير على الأرض، قد جللت نفسها بحجابها حتى ما يُرى منها شيء وهي قد بلغت التسعين سنة، فهي من مواليد: 1924م، ويعلم الله لَجَلَالة القرآن بادية عليها، بل تلك المهابة هزت كياني حتى ما تمالكت عبرتي، فدافعتها ثم سلمت عليها، فردت السلام، وسألتني عن حاجتي فأخبرتها أني أريد القراءة عليها، والاستجازة منها، فسكتت، ثم قالت: اقرأ، فقرأت عليها سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية الربع الأول برواية حفص عن عاصم، وكانت تسألني عن أحكام التجويد والشاهد من متني التحفة والجزرية على ما أقول، وكانت تبين بعض الأحكام التي نمر عليها، ولما انتهيت من الربع الأول من البقرة، قالت: حسبك. فقلت لها بعد ذلك: تجيزينني؟ فسكتت، ثم قالت: أجيزك، ثم أمرت الأخ القريب لها بكتابة الإجازة وتسليمها لنا، فشكرتها، ودعوت لها بخير ثم استأذنتها، وخرجت من عندها، وأنا لا تحملني رجلاي من مهابة ما رأيت من جلالة هذه الشيخة التي جمعت القراءات العشر، وضبطتها، ثم أوقفت نفسها - بعد ذلك - لتعليم كتاب الله لأكثر من سبعين عامًا، تبتغي بذلك وجه الله كذا نحسبها والله حسيبها.
والشيخة تناظر حفظت القرآن الكريم على الشيخ محمد بن سيد بن عبدالله أبو حلاوة، ثم قرأت القراءات السبع على الشيخ السيد بن عبدالعزيز بن عبدالجواد وهما شيخا الشيخ ابراهيم السمنودي فهي تشاركه في هذين الشيخين.
وبعد هذه الجلسة الماتعة، واللقاء المبارك مع هذه السيدة الفاضلة، استأذنتها بالخروج فأذنت لي.
منزل الشيخة المقرئة تناظر بنت محمد النجولي
إجازة الشيخة تناظر بنت محمد النجولي
# اللقاء والقراءة على الشيخ المقرئ محمد بن يونس الغلبان:
وبعد الخروج انطلقت من مركز سمنود متجهًا إلى مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وهي تبعد عن سمنود ما يقرب من 100كلم، وكان الوصول إليها وقت أذان العشاء، فصلينا المغرب والعشاء في أول مسجد فيها، ثم توجهت إلى منزل الشيخ محمد بن يونس بن عبدالغني الغلبان الدسوقي المقرئ بالجامع الإبراهيمي، وهو يعتبر من أعلى الناس إسنادًا في العالم حيث يروي القرآن الكريم والقراءات السبع عن الشيخ الفاضلي بن علي أبو ليلة الدسوقي، فيكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - 27 راويًا، وعندما وصلت إلى بيت الشيخ كان في انتظاري، وقد استقبلني - وفقه الله تعالى – عند باب بيته فأحسن الترحيب، وبعدها دخلنا منزله، وعندما جلسنا أخذ الشيخ يخبرني بحرص طلبة العلم على القراءة والتلقي من داخل مصر وخارجها، وذكر لي بعض من قرأ عليه من داخل وخارج مصر.
والشيخ محمد يتمتع بصحة جيدة، وذاكرة حاضرة، واستحضار عالي لشواهد الشاطبية، والشيخ له من العمر 68 عامًا، بارك الله في عمره، وختم له بخير.
وبعد ذلك استأذنته في القراءة عليه، فأذن لي، فقرأت عليها سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية الربع الأول برواية الإمام عاصم، ثم اختبرني في ما يقرب من عشرين سؤالاً في أوجه الرواية لشعبة بن عياش ورواية حفص بن سليمان، ثم بعدها قرأت عليه التحفة كاملة، والجزرية كذلك، ثم استجزته فأجازني بالقرآن الكريم بقراءة عاصم، وكذا أجازني بالتحفة والجزرية، فجزاه الله خيرًا.
وبهذا ختمت هذا اليوم الحافل باللقاءات والقراءة على المشايخ الفضلاء، وبعدها توجهت إلى القاهرة استعدادًا في اليوم التالي لزيارة بعض المشايخ والمقرئين.
مع الشيخ المقرئ محمد بن يونس الغلبان بمنزله بدسوق
إجازة الشيخ المقرئ محمد بن يونس الغلبان
# اللقاء والقراءة على الشيخ المقرئ د. علي بن محمد النحاس:
وفي يوم الثلاثاء الموافق 26/8/1435هـ تم التنسيق مع فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد توفيق بن علي النحاس لزيارته، فرحب الشيخ، وبعد صلاة الظهر انطلقت من مقر إقامتي إلى مقر إقامة الشيخ، والشيخ يسكن في القاهرة، فزرته في مقر عمله في صيدليته التي يعمل بها، فلما التقيت به رحب بي أجمل ترحيب، وأحسن في الإكرام، وقدر رأيت من خلقه وجميل أدبه ما يحمل على إجلاله وتوقيره، والشيخ له من العمر75 عامًا، فهو من مواليد عام:1939م، وبعد المحادثة والمؤانسة استجزت الشيخ فيما له من الرواية فأجازني إجازة عامة وخاصة بجميع ما له من المرويات والسماعات والمؤلفات، وأجازني بثبت الأمير المسمى بــــ"سد الأرب من علوم الإسناد والأدب" الذي يرويه عن والده وهو يرويه عن الشيخ العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي مصر، وبعدها قرأت عليه شيئًا من الأربعين النووية، وتحفة الأطفال، والجزرية وأجازني بها، وقد استأذنته في قراءة شيء من القرآن، فأذن، فقرأت عليه سورة الفاتحة، والربع الأول من سورة البقرة، واستجزته فاعتذر بأنه لا يجيز إلا ختمة كاملة.
وبعد هذا اللقاء الماتع مع الشيخ، وبعدما صلينا العصر سويًا بمسجد قريب من مقر صيدلية الشيخ استأذنته في الذهاب فأذني لي، فجزاه الله خيرًا.
مع الشيخ المقرئ د. محمد بن علي النحاس بصيدليته
بعض إجازات الشيخ المقرئ د. محمد بن علي النحاس
# اللقاء والقراءة على الشيخ العلامة عبدالباسط هاشم:
وبعدها توجهت إلى فضيلة الشيخ العلامة المتقن المقرئ البصير بقلبه عبدالباسط بن حامد بن محمد القاهري المالكي، المشهور بعبدالباسط هاشم، فزرته بعد صلاة العصر في بيته في بولاق أبو العلا بالقاهرة، فدخلت عليه في غرفته، فإذا الشيخ الجليل الذي تجاوز الثمانين من عمره جالس على سريره، وإحدى الأخوات تقرأ عليه بالجمع عن طريق الهاتف، فأوقفها الشيخ ورحب بي وسهل، وطلب من أهله إحضار شيء لي، ثم استأذنني في أن تتم الأخت التي كانت تقرأ الآية، فأذنت، فاستمع لها ثم أوقفها وقال لها اتصلي غدًا، ثم أخذ يحادثني ويسألني عن بلدي ومن أين أنا، وعن حاجتي فأخبرته أني جئت للسلام عليه والقراءة عليه، والاستجازة منه، ثم استأذنته في القراءة فأذن لي فشرعت في قراءة سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية الربع الأول، وهو يستمع، والشيخ يهتم كثيرًا بالوقف والابتداء، وبعدها طلبت منه أن أقرأ عليه شيئًا من المتون العلمية في التجويد فأذن لي، فقرأت عليه منظومة تحفة الأطفال، والمقدمة الجزرية" كاملتين "، وبعدها استجزته فأجازني بهن جميعًا.
والشيخ عبدالباسط تلقى القرآن الكريم عن الشيخ أحمد بن عبدالغني بن عبدالرحيم؛ وأيضًا عن الشيخ محمود بن محمد خبوط، كلاهما من طريق الشيخ حسن بن بيومي الشهير بالكراك.
ويعتبر الشيخ من أعلى الناس إسنادًا، فهو تلقى القرآن الكريم على شمروخ بن محمد بن شمروخ الصَفَدي، وأخبره أنه تلقاه عن المتولي، وهذا يعتبر من أعلى الأسانيد في الأرض(1).
وبهذا الشيخ الجليل صاحب الوجه المنير، والابتسامة الصافية، والصوت الجميل ختمت لقائي بالمشايخ الفضلاء، والقراء النبلاء وذلك مغرب يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربع مئة وخمس وثلاثين.
وقد بقي الكثير والكثير من القراء والعلماء، في تلك البلاد العملاقة، أسأل الله أن ييسر رحلة قريبة للاستفادة والإفادة منهم.
مع الشيخ المقرئ المتقن
العلامة عبدالباسط هاشم بمنزله ببولاق أبو العلا
إجازة الشيخ المقرئ عبدالباسط هاشم
? الخاتمة:
وفي ختام هذه الرحلة العلمية، أود التنبيه إلى أن القصد من سردها هو تحفيز الطالب النجيب لبذل الوقت والجهد في طلب العلم، وزيارة العلماء وطلابهم، والأخذ عن الأكابر والتتلمذ عليهم، والاستفادة منهم.
إننا في هذه الأيام نشاهد هوس الشباب بالسفر والتنقل في البلدان بغير هدف، فنشاهد ضياع الأوقات، وقتل الأعمار بحجة التنزه والتعرف على البلدان، وهذا مزلة قدم، وخطأ في الفهم والتصور، لأنه يُعرض نفسه للآفات والشهوات، وأخطر من ذلك التعرض للشبهات، مع ما يكون له الأثر السيء في فكره، وضعف عبادته.
ولقد سَرَت هذه الآفة إلى بعض طلاب العلم، فشاركوا أهل الهوس في هوسهم، وأهل الضياع في ضياعهم، وتركوا أعظم ما ينبغي عليهم فعله من الدعوة إلى الله، وتعليم الناس، والرحلة للعلم والتعلم.
فيا من ابتلي بحب السفر والتنقل اجعله لله، وتنقل في ذات الله، وابذل العلم لأهله، والنصح لطالبيه، تكن رَحَلَاتك نافعة، وأجرك جارٍ.
أسأل الله أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى، وأن يجنبنا جميعًا الزلل والخطأ، وأن يجعلنا من المباركين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المختار الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
# # #
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لكن سند الشيخ شمروخ حوله كلام كثير جدًا، فمن أهل الإسناد من ينكر وجود هذه الشخصية أصلاً، ومنهم من يثبتها، والكلام فيها طويل الذيول، وعلى العموم الشيخ تلقى القرآن الكريم والقراءات عن غير شمروخ، فتصح له الرواية بالسند المتصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بإذن الله تعالى.