۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 279
بالامس : 393
لهذا الأسبوع : 10362
لهذا الشهر : 21517
لهذه السنة : 441753

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  35
تفاصيل المتواجدون

:: معنى كونِ الرُّؤيا جُزءًا مِن ستةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن النُّبوةِ ::

المسألة

:: معنى كونِ الرُّؤيا جُزءًا مِن ستةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن النُّبوةِ ::

 د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبعانَ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

معنى كونِ الرُّؤيا جُزءًا مِن ستةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن النُّبوةِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى رسولِه الأمينِ، وعلَى آلِه وصَحْبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ فقد جاءَ هذا العددُ في الصَّحيحَينِ وغيرِهِما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[1]. وجاءَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رواياتٌ أُخرَى بأعدادٍ غيرِ هذا، ومِنها:

- التَّحديدُ بسبعينَ جُزءًا، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[2].

- التَّحديدُ بخمسةٍ وأربعينَ جُزءًا، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[3].

- التَّحديدُ بأربعينَ جُزءًا، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[4].

ولعَلَّ هذِه الرِّواياتِ الأَرْبَعَ أصَحُّ شيءٍ جاءَ في هذا البابِ[5].

وأمَّا ما جاءَ في معنَى: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». بأنَّ عُمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أكثَرِ الرِّواياتِ كانَ ثلاثًا وستِّينَ سنةً، وكانَتْ مدةُ نُبُوَّتِه مِنها ثلاثًا وعشرينَ سنةً، وكانَ في أولِ الأمرِ يَرَى الوحيَ في المَنامِ، ودامَ ذلكَ نصفَ سنةٍ (ستةَ أشهُرٍ)، ثمَّ رَأَى المَلَكَ في اليَقَظةِ، فإذا نِسْبةُ مدَّةِ الوحيِ في النَّومِ، وهي نصفُ سنةٍ، إلى مدَّةِ نُبُوتِه، وهي ثلاثٌ وعشرونَ سنةً، كانَتْ نصفَ جزءٍ مِن ثلاثةٍ وعشرينَ جُزءًا، فكانَتْ نسبةُ الرُّؤيا الصَّالحةِ مِن أَجْزاءِ النُّبُوةِ تُساوِي واحدًا إلى ستةٍ وأربعينَ جُزءًا، فيكونُ هذا المعنَى خاصًّا بهذِه الرِّوايةِ، على أنَّ هذَا التَّوجيهَ لهذِه الرِّوايةِ فيهِ ما فيهِ؛ لِمَا يأتِي:

أوَّلًا: أنَّ مدَّةَ السِّتةِ أشهُرٍ التِي كانَ يَرَى فيها الرُّؤيا لم تَثْبُتْ بدليلٍ صحيحٍ، بل هناكَ اختِلافٌ في قَدْرِ المُدَّةِ التِي بعدَ بَعْثَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى موتِهِ، قالَ ابنُ العَرَبيِّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى- في نَقْضِ هذَا التَّوجيهِ: (وتَفْسيرُها بمُدَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باطِلٌ؛ لأنَّه يَفْتقِرُ إلى نقلٍ صحيحٍ، ولا يُوجَدُ)[6].

وقالَ النَّوويُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى-: (لم يَثْبُتْ أنَّ أَمَدَ رُؤْيَاه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبلَ النُّبوَّةِ ستةُ أشهُرٍ)[7].

ثانيًا: مِمَّا يُبطِلُ هذَا التَّوجيهَ، أنَّ سائِرَ الرِّواياتِ في الأَجْزاءِ المُختَلِفةِ تَبْقَى بغيرِ معنًى، أو يُتَكَلَّفُ لها معنًى؛ ولهذَا ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَه اللهُ تعالَى- التَّوجيهَ السَّابِقَ، ثمَّ قالَ: (وهذَا حَسَنٌ، لَوْلا ما جاءَ في الرِّوايةِ الأُخرَى الصَّحيحةِ، أنَّها جُزءٌ مِن سبعينَ جُزءًا[8].

ويَبْقَى السُّؤالُ: هل يُمكِنُ الجَمعُ بينَ هذِه الرِّواياتِ؟

الجوابُ: نَعَمْ، يمكِنُ الجَمعُ بينَ الرِّواياتِ، وقد وَجَّهَها بعضُ العُلَماءِ بأَوْجُهٍ كثيرةٍ، لعَلَّ مِن أقرَبِهَا قولَيْنِ:

الأولُ: أنَّ اختِلافَهَا يكونُ بحَسَبِ حالِ الرَّائِي للرُّؤيا، فرُؤْيا الصَّالِحِينَ الصَّادِقينَ تكونُ نسبتُهَا مِن ستةٍ وأربعينَ، والفاجِرِ ونحوِهِ مِن سبعينَ، واختارَ هذَا القولَ ابنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ –رَحِمَه اللهُ تعالَى-، ورَجَّحَ هذَا القولَ ابنُ العَرَبيِّ، حيثُ قالَ بعدَ ذِكرِ الأَقْوالِ في الجَمعِ بينَ الرِّواياتِ: (وأَحْسَنُها قولُ الطَّبريِّ عالِمِ القُرآنِ والسُّنَّةِ)[9].

وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى-: (اختِلافُ الآثارِ في هذَا البابِ في عددِ أَجْزاءِ الرُّؤيا، ليسَ ذلكَ عِندِي اختِلافَ تَضَادٍّ مُتَدافِعٍ، واللهُ أعلَمُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ الرُّؤيا الصَّالحةُ مِن بعضِ مَن يَرَاها علَى حَسَبِ ما يكونُ مِن صدقِ الحديثِ، وأَدَاءِ الأَمانةِ، والدِّينِ المَتِينِ، وحُسْنِ اليقينِ، فعلَى قَدْرِ اختِلافِ النَّاسِ فيمَا وَصَفْنا؛ تكونُ الرُّؤيا مِنهم علَى الأَجْزاءِ المُختلفةِ، فمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُه في عبادةِ ربِّهِ، ويقينِهِ وصدقِ حديثِهِ، كانَتْ رُؤْياه أصدَقَ، وإلى النُّبوةِ أقرَبَ، كمَا أنَّ الأَنْبياءَ يتفاضَلُونَ؛ قالَ تعالَى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55])[10].

وقالَ أبو عبدِ اللهِ القُرْطُبِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى- مُؤَيِّدًا هذَا القولَ: (فهذَا التَّأويلُ يجمَعُ شَتَاتَ الأَحَاديثِ، وهو أَوْلَى مِن تفسيرِ بعضِهَا دونَ بعضٍ وطَرْحِهِ)[11].

ومِمَّنْ رَجَّحَ هذَا القولَ الأَلْبانِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى- حيثُ قالَ: (واعلَمْ أنَّه لا مُنافاةَ بينَ قولِهِ في هذَا الحديثِ: «إنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ». وفي الحديثِ التَّالي: «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ». وفي حديثِ ابنِ عُمَرَ: «جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ». وغيرِهِ، فإنَّ هذَا الاختِلافَ راجِعٌ إلى الرَّائِي، فكُلَّما كانَ صالِحًا كانَتِ النِّسبةُ أعلَى، وقيلَ غيرُ ذلكَ)[12].

الثَّاني: أنَّ هذا الاختِلافَ مِن الأُمورِ التَّوقيفِيَّةِ التِي لا نعلَمُ حِكْمتَهَا، وبهذَا القولِ قالَ جماعةٌ مِن العُلَماءِ مِن المُتقَدِّمينَ والمُتأخِّرينَ، قالَ الخَطَّابِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى-: (إنَّ هذَا الخَبَرَ صحيحٌ، وجُملَةُ ما فيهِ حَقٌّ، وليسَ كلُّ ما يَخْفَى علَيْنا عِلَّتُه لا تَلزَمُنا صحتُه، وقد نَرَى أعدادَ رَكَعاتِ الصَّلواتِ وأيامَ الصِّيامِ، ورَمْيَ الجِمَارِ مَحْصورةً في حسابٍ مَعْلومٍ، وليسَ يُمكِنُنا أنْ نَصِلَ مِن علمِهَا إلى أمرِ تَوَجُّبِ حصرِهَا تحتَ هذِه الأعدادِ دونَ ما هو أكثَرُ مِنها، أو أقَلُّ، فلَمْ يكُنْ ذَهَابُنا عن مَعرفةِ ذلكَ قادِحًا في موجِبِ الاعتِقادِ مِنَّا في اللَّازمِ مِن أمرِهَا).

وهذَا كقولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثٍ آخَرَ: «إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالاِقْتِصَادَ، جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وتَفْصيلُ هذَا العددِ وحَصْرِ النُّبوةِ بهِ متعذِّرٌ لا يُمكِنُ الوقوفُ عليهِ، وإنَّما فيهِ أنَّ هاتَيْنِ الخَصْلَتَينِ مِن هَدْيِ الأَنْبياءِ وشَمَائِلِهم، ومِن جُملةِ شِيَمِهِم وأَخْلاقِهِم، فكذلكَ الأمرُ في الرُّؤيا، أنَّه جُزءٌ مِن ستةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن النُّبوةِ)[13].

وبهذَا قالَ المازرِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى- مُبيِّنًا أنَّه لا يلزَمُ العُلماءَ أنْ يَعرِفُوا كلَّ شيءٍ جملةً وتَفْصيلًا، وقد جَعَلَ اللهُ سُبْحانَه للعُلماءِ حَدًّا يَقِفُونَ عِندَه، فمِنها ما لا يَعلَمُونَه أصلًا، ومِنها ما يَعلَمُونَه جُملةً ولا يَعلَمُونَه تَفْصيلًا، وهذَا مِنه)[14].

وقالَ أبو زُرْعَةَ العِراقِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالَى-: (ولا يُمكِنُ إلغاءُ النِّسَبِ بعدَ ذِكرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لها، وغايتُهُ أنْ لا يَصِلَ عِلْمُنا إلى حقيقةِ ذلكَ، فنُؤْمِنُ بهِ، ونَكِلُ عِلْمَه إلى عالِمِهِ)[15].

وقالَ الشَّيخُ ابنُ عُثَيْمينٍ -رَحِمَه اللهُ تعالَى-: (وتَخْصِيصُ الجُزءِ بستةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن الأُمورِ التَّوْقيفيةِ التي لا نعلَمُ حِكْمتَها، كأَعدادِ الرَّكَعاتِ والصَّلَواتِ)[16].

ولعَلَّ هذَا هو القولُ الأَقْرَبُ، واللهُ تعالَى أعلَمُ.



[1]أخرَجَه البخاريُّ (6987)، ومسلمٌ (2263)، عن عُبَادةَ بنِ الصَّامِتِ وغيرِهِ رَضِيَ اللهُ عنهم.

[2]أخرَجَه مسلمٌ (2265)، عن ابنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهُما.

[3]أخرَجَه مسلمٌ (2263)، عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.

[4]أخرَجَه أحمدُ (16191)، والتِّرْمِذِيُّ (2278)، عن أبي رَزِينٍ رَضِيَ اللهُ عنه.

[5]بَلَغَ مجموعُ الرِّواياتِ الواردةِ في بابِ أجزاءِ الرُّؤيا سَبْعَ عَشْرةَ روايةً، صَحَّ مِنها أربعُ رواياتٍ، وهي بالتَّرتيبِ: (46،70،45،40)، والرِّواياتُ الباقيةُ: (40 أو 46،25،26،49،50،60،76) كلُّها ضعيفةٌ، بالإضافةِ إلى خمسِ رواياتٍ أُخرَى لا أَسَانيدَ لها، وهي: (27،42،44،47،72). يُنظرُ: «دراسةُ أحادِيثِ الرُّؤيا مِن أَجْزاءِ النُّبوةِ، روايةً ودرايةً»، لحسن محمد عبه جي.

[6]«فتحُ البارِي» (12/364).

[7]«شرحُ مسلمٍ» (15/21).

[8]«مَدَارِجُ السَّالِكِينَ» (1/61).

[9]«طَرْحُ التَّثْريبِ» (8/214).

[10] «التَّمهيدُ» (1/283-284).

[11] «أحكامُ القُرآنِ» (9/123).

[12] «سلسلةُ الأحاديثِ الصَّحيحةِ» (4/487).

[13] «أعلامُ الحديثِ في شرحِ صحيحِ البُخاريِّ» (4/2318).

[14] «المُعْلِمُ بفوائِدِ مسلمٍ» (3/117).

[15] «طَرْحُ التَّثْريبِ» (8/214).

[16] «المَجْموعُ الثَّمينُ في فَتَاوَى ابنِ عُثَيْمِينٍ» (1/205).

تصميم وتطوير كنون