۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 322
بالامس : 393
لهذا الأسبوع : 10405
لهذا الشهر : 21560
لهذه السنة : 441796

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  29
تفاصيل المتواجدون

:: الفرقُ بينَ الرُّؤيا الصَّالحةِ والصَّادقةِ والحسنةِ ::

المسألة

:: الفرقُ بينَ الرُّؤيا الصَّالحةِ والصَّادقةِ والحسنةِ ::

 د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبعانَ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني

حتَّى نستطيعَ أنْ نحرِّرَ هذه المسألةَ تحريرًا دقيقًا، فلا بدَّ مِن جمعِ الرِّواياتِ الواردةِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا البابِ؛ ليتَّضِحَ لنا بعدَ ذلكَ الفرقُ.

لقد جاءَتْ هذه الأوصافُ الثَّلاثةُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعمَّن وَصَفَ رُؤياه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقَدْ وَرَدَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وصفِ الرُّؤيا بالصَّالحةِ رواياتٌ منها:

أ- عن أبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ»([1]).

ب- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»([2]).

ج- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ؛ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ»([3]).

د- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ». قَالُوا: ومَا المُبَشِّرَاتُ؟ِ قالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»([4]).

هـ- عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- أنَّها قالَتْ: (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤيا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ)([5]).

وأمَّا وصفُها بالصَّادقةِ، فقَدْ جاءَ في حديثَيْنِ:

أ- عن أبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ»([6]).

ب- عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- أنَّها قالَتْ: (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤيا الصَّادقةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ)([7]).

وأمَّا وصفُها بالحَسَنةِ، فقد جاءَ في حديثَيْنِ:

أ- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤيا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»([8]).

ب- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ»([9]).

فهذا مُجمَلُ ما وَرَد عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعمَّن وُصِفَ رُؤياه في هذا البابِ، ويتَّضِحُ أنَّ أكثرَ ما جاءَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصفُ الرُّؤيا بالصَّالحةِ، وأمَّا وصفُها بالصَّادقةِ فقَدْ جاءَ في حديثَيْنِ، وهذانِ الحديثانِ جاءَ كلُّ واحدٍ منهما بروايتَيْنِ فوُصِفَتْ مرَّةً بالصَّالحةِ، ومرَّةً بالصَّادقةِ، فروايةُ أبي قَتَادةَ رَضِيَ اللهُ عنه جاءَتْ مرَّةً بوصفِهَا بالصَّالحةِ، كما في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّالحةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ». وجاءَتْ مرَّةً بوصفِهَا بالصَّادقةِ، كما في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ».

وكذلكَ ما جاءَ عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- فقد جاءَتْ بالوصفَيْنِ في نفسِ الرِّوايةِ، فجاءَتْ مرَّةً بوصفِهَا بالصَّالحةِ، كما في قولِها -رَضِيَ اللهُ عنها-: (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤيا الصَّالحةُ فِي النَّوْمِ). وجاءَتْ مرَّةً أخرَى بوصفِهَا بالصَّادقةِ، كما في قولِها -رَضِيَ اللهُ عنها-: (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤيا الصَّادقةُ فِي النَّوْمِ).

ففي هذينِ اللَّفظينِ عنها يَظهَرُ اشتِراكُ الرُّؤيا الصَّالحةِ والصَّادقةِ في نفسِ الموصوفِ، فلا فرقَ بينَهُما؛ ولذلكَ قالَ الإمامُ النَّوويُّ -رَحِمَه اللهُ تعالى-: (وقَوْلُهَا -رَضِيَ اللهُ عنها-: (الرُّؤيا الصَّادقةُ). وفي روايةِ البُخَارِيِّ -رَحِمَه اللَّهُ-: (الرُّؤيا الصَّالحةُ). وهُمَا بمَعْنًى وَاحِدٍ)([10]).

ولهذا عبَّرَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه بذلكَ حينَ قالَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ الصَّادِقَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)([11]). وقالَ المُهَلَّبُ بنُ أبي صُفْرَةَ -رَحِمَه اللهُ تعالى- وهو مِن كبارِ التَّابعينَ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ الصَّادِقَةُ قد يَرَاها الرَّجلُ المسلمُ، والكافرُ، والنَّاسُ كلُّهم)([12]).

وممَّا سَبَقَ يتَّضِحُ أنَّه لا فرقَ بينَ الرُّؤيا الصَّالحةِ والصَّادقةِ في المعنَى، وإنْ كانَ أكثرُ وصفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرُّؤيا بالصَّالحةِ، لكِنَّ الصَّادقةَ تدخُلُ فيها، فهي مِن معانِيها؛ لأنَّ وصفَ الرُّؤيا بالصَّالحةِ يَحتَمِلُ معنَيَيْنِ؛ خاصٌّ وعامٌّ:

فالخاصُّ هو: صلاحُ ظاهِرِها، واستقامتُهَا، وهي التي تَسُرُّ وتُفرِحُ؛ ولذا جاءَ وصفُها في النُّصوصِ السَّابقةِ بأنَّها الحَسَنةُ، والمبشِّرةُ، قالَ ابنُ العربيِّ -رَحِمَه اللهُ تعالى-: (معنَى صلاحِهَا: استقامَتُها وانتِظامُها)([13]).

والمعنَى العامُّ: وضوحُ تعبيرِها، ومطابقتُها للواقِعِ، وهي التِي تقَعُ سواءٌ كانَتْ تَسُرُّ أو لا تَسُرُّ، وسواءٌ كانَتْ مبشِّرةً أو منذِرَةً؛ ولذلكَ جاءَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قالَ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ»([14]). دونَ تقييدٍ بكونِهَا صالحةً أم لا.

فبهذا المعنَى يدخُلُ وصفُ الصَّادقةِ في وصفِ الصَّالحةِ.

وعليهِ فلا يوجَدُ دليلٌ قاطِعٌ على أنَّ عبارةَ «الرُّؤيا الصَّالحةُ» تختلِفُ في دَلالتِهَا عن عبارةِ «الرُّؤيا الصَّادقةُ»، أو أنَّها تنفَرِدُ عنها بمعنًى خاصٍّ، إلَّا ما كانَ مِن اجتهادِ بعضِهم مِن تخصيصِ التَّعبيرِ بـ «الرُّؤيا الصَّالحةِ» بالمبشِّرةِ فقَطْ، وأمَّا عبارةُ «الرُّؤيا الصَّادقةُ» فإنَّها تشمَلُ المبشِّرةَ وغيرَهَا، فيكونُ بينَهُما عمومٌ وخُصوصٌ، فكلُّ رُؤيا صادقةٍ فهي صالحةٌ، وليسَ كلُّ رُؤيا صالحةٍ صادقةٌ.

وهذا اجتِهادٌ لا دليلَ عليهِ؛ إذْ جُلُّ عباراتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وصفِ الرُّؤيا جاءَتْ بالصَّالحةِ المتضمِّنِ للصَّادقةِ، قالَ الحافِظُ ابنُ حجرٍ -رَحِمَه اللهُ تعالى-: (الصَّالحةُ والصَّادقةُ هما بمعنًى واحدٍ بالنِّسبةِ إلى أُمورِ الآخرةِ في حقِّ الأنبياءِ، وأمَّا بالنِّسبةِ إلى أُمورِ الدُّنيا فالصَّالحةُ في الأصلِ أخصُّ، فرُؤيا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلُّها صادقةٌ، وقد تكونُ صالحةً، وهي الأكثرُ، وغيرَ صالحةٍ بالنِّسبةِ للدُّنيا، كما وَقَع في الرُّؤيا يومَ أُحُدٍ([15])، وأمَّا رُؤيا غيرِ الأنبياءِ فبينَهُما عمومٌ وخصوصٌ، إنْ فسَّرْنا الصَّادقةَ بأنَّها التِي لا تحتاجُ إلى تعبيرٍ، وأمَّا إنْ فسَّرْناها بأنَّها غيرُ الأضغاثِ فالصَّالحةُ أخصُّ مطلَقًا)([16]).

وأمَّا وصفُها بأنَّها «حسنةٌ»، فهي حسنةٌ باعتبارَيْنِ: إمَّا باعتبارِ حُسنِ ظاهِرِها؛ وإمَّا باعتبارِ صدقِهَا، وهذانِ المعنَيَانِ لا تَعَارُضَ بينَهُما، فيصِحُّ أنْ نُطلِقَهما علَيْها، فالحسنةُ هي الصَّادقةُ المبشِّرةُ، كما قالَ البَاجِيُّ -رَحِمَه اللهُ تعالى-: (الحسنةُ، أي: الصَّادقةُ أو المبشِّرةُ)([17]). فتكونُ وصفًا للصَّالحةِ والصَّادقةِ.

وممَّا سَبَق يتقرَّرُ أنَّه لا فرقَ بينَ قولِنَا عن الرُّؤيا بأنَّها «صالحةٌ»، أو «صادقةٌ»، أو «حسنةٌ»، بل التَّعبيرُ عن الرُّؤيا التي مِن اللهِ بأنَّها الرُّؤيا الصَّالحةُ هو ما جاءَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جُلِّ الرِّواياتِ، سواءٌ كانَتْ مبشِّرةً أو منذرةً ومحذِّرةً، وتدخُلُ فيها الصَّادقةُ والحسنةُ، فهي مِن معانِيهَا.

لكِنْ إنْ أُطلِقَتْ عبارةُ: «الرُّؤيا الصَّالحةُ» للدَّلالةِ على رُؤيا المؤمنِ، والرُّؤيا المبشِّرةِ، فتُخصَّصُ بها مِن بابِ الإطلاقِ العامِّ الذي يحصُلُ به تمييزٌ للسَّامِعِ فقَطْ، لا مِن بابِ الاصطِلاحِ الشَّرعيِّ، فالأمرُ واسِعٌ، لكِنْ لا يُثَرَّبُ على مَن أَطلَقَ عبارةَ: «الرُّؤيا الصَّادقةُ» على «الرُّؤيا الصَّالحةِ»، أو العكسَ.

وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبِينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

واللهُ أعلمُ وأَحكَمُ.



([1]) أخرَجَه البخاريُّ (3292)، ومسلمٌ (2261).

([2]) أخرَجَه البخاريُّ (6989)، ومسلمٌ (2263).

([3]) أخرَجَه مسلمٌ (2263).

([4]) أخرَجَه البخاريُّ (2990).

([5]) أخرَجَه البخاريُّ (3).

([6]) أخرَجَه البخاريُّ (6583).

([7]) أخرَجَه البخاريُّ (4953)، ومسلمٌ (160).

([8]) أخرَجَه البخاريُّ (4953).

([9]) أخرَجَه البخاريُّ (7044).

([10])«شرحُ صحيحِ البخاريِّ» لابنِ بَطَّالٍ (9/511).

([11]) أخرَجَه عبدُ الرَّزاقِ في «المُصنَّفِ» (11/53)، والطَّبرانيُّ في «المُعجمِ الصَّغيرِ» (2/141).

([12])«شرحُ مسلمٍ» (1/287).

([13])«عارضةُ الأَحْوذِيِّ» (9/125).

([14]) أخرَجَه البخاريُّ (4757)، عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه.

([15])قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ به مِنَ الخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِى آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». أخرَجَه البخاريُّ (7035).

([16])«فتحُ الباري» (12/355)، بتصرُّفٍ يسيرٍ في أولِ النَّقلِ؛ ليَستقِيمَ السِّياقُ.

([17])«شرحُ الموطَّأِ» للزُّرقانيِّ (4/350).

تصميم وتطوير كنون