۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 1629
بالامس : 393
لهذا الأسبوع : 11711
لهذا الشهر : 22867
لهذه السنة : 443103

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  172
تفاصيل المتواجدون

:: المرضُ بشائرُ، وفوائدُ، وتوجيهات ::

المقال

:: المرضُ بشائرُ، وفوائدُ، وتوجيهات ::

 د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدني وثبِّتْني

(المرضُ: بشائرُ، وفوائدُ، وتوجيهات)

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، قيُّومِ السَّماواتِ والأَرَضِينَ، جعَل المرضَ رحمةً للطَّائعين، ورفعةً لدرجةِ الصَّابرين، وعقوبةً للسَّاخِطين العاصِين؛ الَّذين ذهَب أجرُهم، وبَقِي بلاؤُهم ووِزرُهُم!

أمَّا بعدُ؛ فاللهُ -عزَّ وجلَّ- أوجَد المرضَ لحكمةٍ جليلةٍ؛ لأنَّه سبحانه عدلٌ في قضائِه، غنيٌّ عن تعذيبِ عبادِه وأوليائِه، لا يظلمُ النَّاسَ مثقالَ ذرَّةٍ، ولكنَّ النَّاسَ أنفسَهم يظلمون، وهو أرحمُ الرَّاحمين، بل إنَّه سبحانه أرحمُ بعبادِه من أنفسِهم وأُمَّهاتِهم!

فهو -عزَّ وجلَّ- خلَقَنا في هذه الدُّنيا ليبتليَنا ويختبرَنا، وابتلاؤُه لنا إمَّا ليُمحِّصَنا من سيِّئاتِنا، أو ليرفعَ لنا في درجاتِنا، أو ليُعاقبَنا على ذنوبِنا وتقصيرِنا، نعوذُ باللهِ من غضبِه وأليمِ عقابِه؛ يقول الحق المبين -سبحانه وتعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ` الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ` أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].

فمرَّةً يبتلينا ربُّنا بالسَّراءِ، وأخرى بالضَّراءِ؛ كلُّ ذلك امتحانًا منه -جلَّ جلالُه- لنا: أنشكرُ، أم نكفرُ؟

فمَن ابتُلِي بالسَّرَّاءِ فشكَر؛ فإنَّ ذلك خيرٌ له، ومَن ابتُلِي بالضَّرَّاءِ فصبَر؛ فإنَّ ذلك خيرٌ له. وهذا وذاكَ تمثيلٌ صادقٌ لحالِ المؤمنِ الشَّاكرِ الصَّابرِ؛ يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ! إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاكَ لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ: إنْ أَصابَتْه سَرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإنْ أَصابَتْه ضَرَّاءُ صبَر فكان خيرًا له» [أخرجه مسلمٌ (2999) عن صُهَيبٍ رضي اللهُ عنه].

إنَّ البلاءَ أنواعٌ وأنواعٌ، فمنه ما يكونُ في النَّفسِ، ومنه ما يكونُ في الولدِ، ومنه ما يكونُ في المالِ، ومنه ما يكونُ في الزَّوجةِ، أو الإخوانِ، أو الأخواتِ، أو الجيرانِ؛ وكلُّ ذلك من البلاءِ الَّذي يُقدِّرُه ربُّنا الرَّحيمُ الرَّحمنُ على عبادِه، وهذا البلاءُ ممَّا يجبُ على العبادِ فيه = الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ.

وإنَّ من البلاءِ الَّذي يُقدِّرُه اللهُ على عبادِه: ما يُصابُ به الإنسانُ من مصيبةِ المرضِ واللَّأْواءِ، وثِقَلِ البدنِ والعناءِ؛ فالمرضُ مهما قلَّ فهو ثقيلٌ، وإذا عَظُمَ كان بلاءً مبينًا!!

معَ المرضِ يشعرُ الإنسانُ بالضِّيقِ والآلامِ، وقلَّةِ الأُنسِ، وذَهابِ اللَّذَّةِ والهناءِ!

معَ المرضِ تضيقُ الدُّنيا معَ سَعتِها، وتذهبُ عن النَّفسِ لذَّتُها وراحتُها!

معَ المرضِ لا يَتلذَّذُ المُبتلَى بطعامٍ ولا شرابٍ، ولا يهنأُ بعيشٍ ولا مَلاذَّ!

ومعَ هذا كلِّه، فإنَّ اللهَ سبحانه قد زَفَّ لأهلِ البلاءِ البشرى، ووعَدهم بحسنِ العاقبةِ والمأوى.

أيُّها المريضُ المُبتلَى: إنَّ البلاءَ بالمرضِ سُنَّةٌ من سننِ الأنبياءِ -عليهم السَّلامُ- فقد ابتُلِي بعضُ الأنبياءِ بالمرضِ حتَّى جعلَهُم اللهُ للنَّاسِ عِبرةً، وعظةً وذكرَى.

وممَّن قَصَّ اللهُ علينا في القرآنِ بلاءَه، وبيَّن لنا شدَّةَ لأوائِه: نبيٌّ من أنبيائِه، ووليٌّ من أوليائِه؛ فمعَ قُربِه من ربِّه، واصطفاءِ اللهِ له بالنُّبوَّةِ، إلَّا أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- قد ابتلاه، وبالمرضِ كساه!

إنَّه نبيُّ اللهِ أيُّوبُ - عليه السَّلام-؛ فهو مِن أنبياءِ اللهِ الكرامِ الَّذين ذكَرهم في القرآنِ، وبوَحْيِه زكَّاه، فقال جلَّ في علاه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].

كان عليه السَّلام كثيرَ المالِ مِن سائرِ صنوفِه وأنواعِه: من الأنعامِ، والعبيدِ، والأراضي، والذَّهبِ والوَرِقِ.

حكَى ابنُ عساكرَ: أنَّه كان له أولادٌ وأَهْلُونَ كثيرٌ، فسُلِبَ ذلك كلَّه؛ كلُّ ذلك ابتلاءٌ من اللهِ العليمِ الخبيرِ له!

ابتُلِيَ في جسدِه بأنواعِ البلاءِ، ولم يَبْقَ منه عضوٌ سليمٌ سوى قلبِه ولسانِه، يذكرُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- بهما، وهو في ذلك كُلِّه صابرٌ مُحتسِبٌ، ذاكرٌ للهِ -عزَّ وجلَّ- في ليلِه ونهارِه، وصباحِه ومسائِه.

وطال مرضُه عليه السَّلام حتَّى عافَهُ الجليسُ، وأوحَش منه الأنيسُ، وأُخرِج من بلدِه، وانقطَع عنه النَّاسُ، ولم يَبْقَ أحدٌ يحنو عليه سوى زوجتِه، كانت ترعى له حقَّه، وتعرفُ قديمَ إحسانِه إليها، وشفقتِه عليها؛ فكانت تَتردَّدُ عليه، فتُصلِحُ من شأنِه، وتُعِينُه على قضاءِ حاجتِه، وتقومُ بشؤونِه.

ومعَ طولِ العهدِ ضَعُفَ حالُها، وقَلَّ مالُها، حتَّى إنَّها كانت تَخدُمُ النَّاسَ بالأجرةِ، لتطعمَه وتقومَ على شأنِه -رضي اللهُ عنها وأرضاها- وهي معَ ذلك صابرةٌ معَه على ما حَلَّ بهما من فراقِ المالِ والولدِ، وما يختصُّ بها من المصيبةِ بالزَّوجِ، وضيقِ ذاتِ اليدِ، وخدمةِ النَّاسِ بعدَ العِزِّ والسَّعادةِ والنِّعمةِ والعافيةِ؛ لكنَّه بلاءُ اللهِ لعبادِه الصَّالحين، وتمحيصُه للصَّابرين.

يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنَّ مِن أَشَدِّ النَّاسِ بلاءً: الأنبياءَ، ثُمَّ الَّذين يَلُونَهم، ثُمَّ الَّذين يَلُونَهم» [أخرجه أحمدُ 6/369 وغيرُه عن فاطمةَ بنتِ اليمانِ -رضي اللهُ عنها- وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (1165)].

لم يَزِدْ ذلك البلاءُ أيُّوبَ -عليه السَّلام- إلَّا صبرًا واحتسابًا، وحمدًا للهِ وشكرًا؛ حتَّى إنَّ المَثَلَ ليُضرَبُ بصبرِه -عليه السَّلام- فيُقالُ: (صبرٌ كصَبْرِ أيُّوبَ).

قال مجاهدُ بنُ جبرٍ [وهو من أئمَّةِ التَّفسيرِ]: كان أيُّوبُ -عليه السَّلام- أوَّلَ مَن أصابه الجُدَرِيُّ.

وقد مكَث في بلواه ثمانيَ عشْرةَ سنةً؛ كلُّ ذلك بلاءٌ من اللهِ، قال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ أَيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلاؤُه ثَمَانيَ عَشْرةَ سنةً» [رواه ابنُ حِبَّانَ في «صحيحِه» 7/157، والحاكمُ في «المستدركِ» 2/635 عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه].

قال السُّدِّيُّ: تساقَط لحمُه حتَّى لم يَبْقَ إلَّا العظمُ والعصبُ، فكانت امرأتُه تأتيه بالرَّمادِ تَفرُشُه تحتَه، فلمَّا طال عليها قالت: يا أيُّوبُ، لو دعَوتَ ربَّكَ لفرَّج عنكَ. فقال عليه السَّلام: قد عِشتُ سبعين سنةً صحيحًا، فهو قليلٌ للهِ أن أصبرَ له سبعين سنةً! فجَزِعتْ من هذا الكلامِ، لكنَّها بَقِيتْ صابرةً مُحتسِبةً رضي اللهُ عنها.

ومعَ صبرِها -رضي اللهُ عنها- فقد أصابها بلاءٌ آخرُ: فإنَّ النَّاسَ لم يكونوا يستأجرونها؛ لعلمِهم أنَّها امرأةُ أيُّوبَ؛ وذلك خوفًا أن ينالَهم من بلائِه، أو تُعدِيَهم بمخالطتِه. فلما عظُم عليها البلاءُ ولم تجدْ أحدًا يستأجرُها؛ تَوجَّهتْ إلى بعضِ بناتِ الأشرافِ، فباعت لها إحدى ضفيرتَيْها بطعامٍ طيِّبٍ كثيرٍ، فأتَتْ به أيُّوبَ -عليه السَّلام-، فقال: مِن أينَ لكِ هذا؟ وأنكَره. فقالت: خدَمتُ به أُناسًا. فلمَّا كان من الغدِ لم تجدْ أحدًا يستأجرُها، فباعت الضَّفيرةَ الأخرى بطعامٍ فأتته به، فأنكَره أيضًا، وحلَف أنْ لا يأكلَه حتَّى تخبرَه مِن أين لها هذا الطَّعامُ؟ فكشَفتْ خِمارَها عن رأسِها، فلمَّا رأى رأسَها محلوقًا؛ تألَّم لذلك ألمًا شديدًا ممَّا أصاب زوجَه بسببِ بلائِه، فعندَها {نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فجاءت الاستجابةُ عَجْلَى؛ قال اللهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83-84]، فكان الفرجُ من اللهِ لأيُّوبَ.

قال ابنُ عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما-: (وألبَسه اللهُ حُلَّةً من الجنَّةِ) [«تفسير ابن كثير» 3/253].

وقال أيضًا: (رَدَّ اللهُ إلى امرأتِه شبابَها، وزادها حتَّى ولَدتْ له ستَّةً وعشرينَ ولدًا ذكرًا) [«تفسير البغويِّ» 1/346].

وأخلَف اللهُ له أهلَه، كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].

نعم {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}؛ أي: تذكرةً لِمَن ابتُلِي فصبَر: في جسدِه، أو مالِه، أو ولدِه، أو أهلِه، أو إخوانِه؛ فله أسوةٌ بنبيِّ اللهِ أيُّوبَ -عليه السَّلام-؛ حيثُ ابتلاه اللهُ بما هو أعظمُ من ذلك، فصبَر واحتَسَب، حتَّى فرَّج اللهُ عنه.

أيُّها المريضُ، والمُبتلَى، والمُصابُ، والمُعتَلُّ: لقد كان لكم في نبيِّ اللهِ أيُّوبَ عِبرةٌ وعظةٌ، وسَلْوَى وذِكرَى، وقدوةٌ حسنةٌ.

أيُّها المريضُ والمُبتلَى: إذا علمتَ ذلك فليكنْ شِعارُك = الصَّبرَ واحتسابَ الأجرِ، وليكنْ نطقُك = الحمدَ والشُّكرَ.

ودَعْكَ -أُخَيَّ- من الشَّكوى والضَّجرِ؛ فإنَّها ليست للمؤمنِ الصَّابرِ، بل هي من صفاتِ السَّاخطِ الهالكِ!

وإذا سُئِلتَ عن مرضِك؛ فليكنْ ذِكرُكَ للمرضِ من بابِ الإخبارِ لا الشَّكوى، فتُخبِرُ بما ابتلاكَ اللهُ به، وتتركُ الشِّكايةَ والتَّأفُّفَ من المرضِ، وإيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أن تَسُبَّ مرضَك وتتسخَّطَ على ربِّكَ.

دخل رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ذاتَ يومٍ على أُمِّ السَّائبِ [أو أُمِّ المُسيَّبِ]، فقال: «ما لكِ يا أُمَّ السَّائبِ [أو: يا أُمَّ المُسيَّبِ] تُزَفْزِفِينَ؟!» - أي ترتَعِدِينَ- قالت: الحُمَّى، لا بارَك اللهُ فيها! فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «لا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّها تُذهِبُ خَطايَا بني آدمَ كما يُذهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ» [أخرجه مسلمٌ (2575) عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما].

وفي هذا بِشارةٌ لِمَن ابتُلُوا بالحُمَّى بالمغفرةِ وحَطِّ الخطايا؛ قال أُبَيُّ بنُ كعبٍ -رضي اللهُ عنه-: يا رسولَ اللهِ، ما الحُمَّى؟ قال: «تُجرِي الحسناتِ على صاحبِها ما اختَلَج عليه قَدَمٌ، أو ضرَب عليه عِرْقٌ». قال أُبَيٌّ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ حُمَّى لا تمنعُني خروجًا في سبيلِك، ولا خروجًا إلى بيتِك، ولا مسجدِ نبيِّك. فلم يُرَ إلَّا وهو محمومٌ، ولا مسَّه إنسانٌ إلَّا ووجَد حَرَّه حتَّى ابيَضَّتْ شَفَتَاهُ. [أخرجه الطَّبرانيُّ في «الكبيرِ» (540)، وأبو نُعَيمٍ في «الحليةِ» 1/255، وقال الألبانيُّ في «صحيحِ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ» (3444): (حسنٌ لغيرِه)].

ولعلَّ سببَ كثرةِ ثوابِ الحُمَّى: أنَّها تدخلُ في كلِّ عضوٍ، وإنَّ اللهَ يُعطِي كلَّ عضوٍ قِسطَه من الأجرِ.

قال أبو هريرةَ -رضي اللهُ عنه-: (ما مِن مرضٍ يُصِيبُني أَحَبُّ إليَّ مِن الحُمَّى؛ لأنَّها تدخلُ في كلِّ عضوٍ فيَّ، وإنَّ اللهَ يعطي كلَّ عضوٍ حظَّه من الأجرِ) [رواه البخاريُّ في «الأدبِ المفردِ» (503)، والبيهقيُّ في «الشُّعَبِ» 7/194].

أيُّها المريضُ المُبتلَى: اعلَمْ أنَّ بلاءَك من اللهِ، وإذا كان الأمرُ من اللهِ؛ فلا رادَّ لحُكمِه إلَّا هو، فلا تفزعْ إلَّا إليه، ولا يَثبُتْ في قلبِك النَّفعُ والضُّرُّ إلَّا منه؛ فالتَّوكُّلُ والاعتمادُ عليه وحدَه، ولا مانعَ من فعلِ أسبابِ العلاجِ معَ عدمِ الاتِّكالِ عليها.

أيُّها المُبتلَى الصَّابرُ: أَرْعِني سمعَك يا -رعاكَ اللهُ- وافتَحْ قلبَك لهذه البشائرِ والفوائدِ، الَّتي أَزُفُّها إليك من الكتابِ والسُّنَّةِ؛ فهي لك بشرى، ولقلبِك سلوى.

اعلَمْ -شفاك اللهُ- أنَّ الابتلاءَ بالمرضِ سببٌ من أسبابِ محبَّةِ اللهِ للعبدِ؛ يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «إنَّ عِظَمَ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمَن رَضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِط فله السَّخَطُ» [أخرجه التِّرمذيُّ (2396)، وابنُ ماجه (4031) عن أنسٍ رضي اللهُ عنه ، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (146)].

أيُّها المريضُ والمُعتَلُّ: الرِّضا منزلةٌ فوقَ الصَّبرِ، فالصَّبرُ على البلاءِ واجبٌ، والرِّضا فوقَه وهو مُستحَبٌّ، فكُنْ راضيًا مُنشرِحَ الصَّدرِ بما حكَم اللهُ عليك.

أيُّها المُبتلَى: أَبشِرْ بتكفيرِ اللهِ لذنوبِك وسيِّئاتِك، ورفعِ ذكرِك ودرجاتِك؛ يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما يُصِيبُ المسلمَ مِن نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حُزْنٍ، ولا أَذًى، ولا غَمٍّ حتَّى الشَّوْكةِ يُشَاكُها؛ إلَّا كفَّر اللهُ بها مِن خَطَايَاه» [أخرجه البخاريُّ (5318)، ومسلمٌ (2572)، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، وأبي هريرةَ رضي اللهُ عنهما].

ويقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما مِن مسلمٍ يُصِيبُه أذًى -مرضٌ فما سواه- إلَّا حَطَّ اللهُ له سيِّئاتِه كما تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرَقَها» [أخرجه البخاريُّ (4325) ومسلمٌ (2571) عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه].

وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما مِن مسلمٍ يُشَاكُ شَوْكةً فما فوقَها؛ إلَّا كُتِبتْ له بها درجةٌ، ومُحِيتْ عنه بها خطيئةٌ» [أخرجه مسلمٌ (2572) عن عائشةَ رضي اللهُ عنها].

فالمرضُ طَهُورٌ يُطهِّرُ اللهُ به القلوبَ والجوارحَ، ولذا يُشرَعُ عندَ عيادةِ المريضِ أن يقولَ العائدُ له: (طَهورٌ إنْ شاء اللهُ)، وهذا القولُ من بابِ الخبرِ لا الدُّعاءِ، فلا استثناءَ في الدُّعاءِ؛ فكأنَّه يُخبِرُ أنَّ المرضَ قد طهَّركَ، وأذهَب اللهُ به خَبَثَ خطاياك.

يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما يَزَالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه، حتَّى يَلقَى اللهَ وما عليه خطيئةٌ» [أخرجه أحمدُ 1/172، والتِّرمذيُّ (1399)، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (2280)].

ومِن فوائدِ المرضِ وبشائرِه -عبادَ اللهِ- أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- إذا أراد بعبدِه خيرًا أصاب منه؛ أي ابتلاه بالمرضِ، فذلك خيرٌ من اللهِ للعبدِ. يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا؛ يُصِبْ منه» [أخرجه البخاريُّ (5321) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه].

ومِن فوائدِ المرضِ أيضًا: التَّذكيرُ بنِعَمِ اللهِ تعالى على العبدِ: كنعمةِ القُوَّةِ الَّتي فقَدها بالمرضِ، ونعمةِ النَّومِ الَّذي كان يُقصِّرُ به اللَّيلَ، ويَقوَى به في النَّهارِ، ولذَّةِ الطَّعامِ والشَّرابِ، وغيرِها.

وممَّا يُروَى أنَّ الحجَّاجَ دعا أعرابيًّا إلى الطَّعامِ، فقال الأعرابيٌّ: إنِّي صائمٌ. قال له الحجَّاجُ: اليومَ حَرٌّ، وصُمْ يومًا غيرَه، والطَّعامُ لذيذٌ. فقال الأعرابيٌّ: واللهِ ما طبَّاخُكَ ولا خبَّازُكَ الَّذي جعَله لذيذًا، ولكنَّ الصِّحَّةَ الَّتي جعَلها اللهُ في بدنِك جعَلَتْه كذلك!

ومن فوائدِه أيضًا: أنَّه تطهيرٌ للقلبِ من أمراضِه؛ لأنَّ الصِّحَّةَ تدعو إلى الأَشَرِ والبَطَرِ، والكِبرِ والعُجْبِ، والمرضُ يمنعُه من ذلك ويدعوه إلى التَّواضعِ والشَّفقةِ والرَّحمةِ، فإذا كان الإنسانُ في كاملِ صحَّتِه وعافيتِه؛ دَعَتْه نفسُه اللَّئيمةُ إلى التَّعالي والظُّلمِ، والبطشِ والطَّيشِ! فإذا ضَعُفتْ قُوَّتُه لعارضٍ؛ تأدَّبَ بعدَ ذلك، وحمَل نفسَه على التَّواضعِ وخفضِ الجَناحِ لعبادِ اللهِ!

تنبيهٌ مهمٌ: اعلم أنَّ أمراضَ الأبدانِ أهونُ بكثيرٍ من أمراضِ القلوبِ، فإذا ابتُلِي الإنسانُ بمرضِ بدنٍ، وسَلِم له دينُه وقلبُه؛ فَلْيَحمَدِ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن جعل مرضَه في بدنِه، ولم يجعلْه في دينِه وقلبِه؛ فإنَّ أمراضَ القلوبِ خطيرةٌ جدًّا، فقد ذمَّها اللهُ، وشهد بكذبِ أهلِها، وبيَّن عداوتَهم ولعنَهم، وجعَلهم في الدَّركِ الأسفلِ من النَّارِ.

توجيهاتٌ لعيادةِ المريضِ: إنَّ المريضَ يحتاجُ إلى مُواساةٍ، وتذكيرٍ بالصَّبرِ والأجرِ، وممَّا يُواسَى به المريضُ:

أولًا: عيادتُه؛ وهي حقٌّ لكلِّ مسلمٍ. يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعِيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنائزِ، وإجابةُ الدَّعْوةِ، وتَشْمِيتُ العاطِسِ» [أخرجه البخاريُّ (1183)، ومسلمٌ (2162) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه].

ويقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن عاد مريضًا، أو زار أخًا له في اللهِ؛ ناداه مُنَادٍ أنْ: طِبْتَ وطَابَ مَمْشاكَ، وتَبَوَّأْتَ مِن الجَنَّةِ مَنْزِلًا» [أخرجه أحمدُ 5/241، والتِّرمذيُّ (2008) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه ، وصحَّحه الألبانيُّ في «ظِلالِ الجنَّةِ» 2/222].

ثانيًا: وممَّا يُواسَى به المريضُ أيضًا: الدُّعاءُ له. ومن الدُّعاءِ المشروعِ: «لا بأسَ، طَهورٌ إنْ شاء اللهُ»، وقولُ: «أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يَشفِيَكَ» سبعَ مرَّاتٍ.

فقد جاء عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- دخل على رجلٍ يعودُه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا بأسَ، طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ» [أخرجه البخاريُّ (5332)].

وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مَن عادَ مريضًا لم يَحضُرْ أجلُه، فقال عندَه سبعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يَشفِيَكَ؛ إلَّا عافاه اللهُ مِن ذلك المرضِ» [أخرجه أبو داودَ (3106) عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيحِ أبي داودَ» (2663)].

اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضانا ومَرْضَى المسلمين، اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضانا ومَرْضَى المسلمين، اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضانا ومَرْضَى المسلمين، وعَافِ برحمتِكَ مُبتلَانا ومُبتلَى المسلمينَ؛ يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهُمَّ إنَّا نعوذُ بك من جَهْدِ البلاءِ، ومن دَرَكِ الشَّقاءِ، ومن سوءِ القضاءِ، ومن شماتةِ الأعداءِ.

اللَّهُمَّ اشْفِنا شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا، وامْنُنْ علينا بعافيةٍ لا تُطْغِينا، وبصحَّةٍ لا تُلهِينا.

اللَّهُمَّ احفَظْنا بالإسلامِ قائمينَ وقاعدينَ وراقدينَ، ولا تُشمِتْ بنا أعداءً ولا حاقدينَ، واجعَلْنا من أوليائِك الصَّادقين، يا أرحمَ الرَّحمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

وثِقَلِ , مبينًا!! , المرضِ , إنَّ , والعناءِ؛ , بلاءً , الإنسانُ , يُقدِّرُه , واللَّأْواءِ، , مهما , به , فالمرضُ , البلاءِ , فهو , عبادِه , وإذا , اللهُ , عَظُمَ , من , البدنِ , ثقيلٌ، , الَّذي , مصيبةِ , يُصابُ , على , ما , قلَّ , كان

جديد المقالات

تصميم وتطوير كنون