۩ البحث ۩



البحث في

۩ إحصائية الزوار ۩

الاحصائيات
لهذا اليوم : 371
بالامس : 1393
لهذا الأسبوع : 371
لهذا الشهر : 25710
لهذه السنة : 445946

۩ التواجد الآن ۩

يتصفح الموقع حالياً  13
تفاصيل المتواجدون

الوقفةُ التَّصحيحيَّةُ (1) [بينَ الفضيلةِ والتَّخصُّصيَّةِ]

المقال

الوقفةُ التَّصحيحيَّةُ (1) [بينَ الفضيلةِ والتَّخصُّصيَّةِ]

 د. ظافرُ بنُ حسنٍ آل جَبْعان


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني

الوقفةُ التَّصحيحيَّةُ (1)

[بينَ الفضيلةِ والتَّخصُّصيَّةِ]

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ ففي هذه السِّلسلةِ التَّصحيحيَّةِ -النَّافعةِ بإذنِ اللهِ تعالى- سأَتطرَّقُ إلى تصحيحِ مفاهيمَ وأخطاءٍ قد يقعُ فيها بعضُ العاملين في مجالِ الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى، وقصدي بهذه السِّلسلةِ التَّصحيحيَّةِ: رفعُ مستوى كفاءاتِ العاملين في المجالاتِ الخيريَّةِ، والنُّهوضُ بالعملِ إلى أفضلِ ما ينبغي أن يكونَ عليه، وليس قصدي من ذلك تَنقُّصَ عملٍ، أو أشخاصٍ أو مُؤسَّساتٍ، بل تأصيلٌ وتوجيهٌ، وتذكيرٌ وتنبيهٌ، واللهُ من وراءِ القصدِ.

وفي أوَّلِ وقفةٍ تصحيحيَّةٍ سأُناقِشُ قضيَّةً مُهِمّةً، وهي: بينَ الفضيلةِ والتَّخصُّصيَّةِ.

إنَّ كثيرًا ممَّا يُعِيقُ نجاحَ كثيرٍ من المشاريعِ الخيريَّةِ، أو يُضعِفُ من إنتاجيَّتِها المَرجُوّةِ منها: عدمُ التَّفريقِ بينَ قضيَّتينِ مُهِمّتينِ: الفضيلةِ، والتَّخصُّصيَّةِ.

نحن نؤمنُ بأنَّه لا نجاةَ للأُمّةِ ولا عِزّةَ لها إلَّا معَ فُضَلائِها، بل البركةُ والخيريَّةُ هي في لحافِ فضلِهم، وعباءةِ خيريَّتِهم، لكنْ ينبغي أن يُفرَّقَ بينَ قضيَّتينِ مُهمّتينِ، ومفهومينِ عظيمينِ: بينَ الفضيلةِ والتَّقدُّمِ في الفضلِ والدِّينِ، وبينَ التَّخصُّصِ والإتقانِ فيما يحسنُ المرءُ، وما أحسنَهما لو اجتَمَعا!

لكنْ عندَ عدمِ اجتماعِهما فنحن بحاجةٍ لمُتخصِّصينَ، معَ امتلاكِهم للحدِّ الأدنى من واجبِ الفضلِ والفضائلِ، وصفاتِ القائدِ والقُدوةِ.

إنَّنا قد نخلطُ بينَ الفضيلةِ والتَّخصُّصيَّةِ، فأحيانًا يحملُنا حُبُّنا لأهلِ الفضلِ إلى تقديمِهم في كُلِّ عملٍ، حتَّى لو لم يكونوا من أهلِ ذلك الفنِّ، وذلك العملِ، وذلك التَّخصُّصِ! وهذه نظرةٌ قاصرةٌ لمثلِ هذه القضيَّةِ.

عندما تتأمّلُ الرَّعيلَ الأوّلَ، وكيف كانت هذه المسألةُ واضحةَ المعالمِ لديهم، فلم يكن عندَهم الخلطُ بينَ هاتينِ القضيَّتينِ، وعندما ابتعد بعضُ العاملينَ في الأعمالِ الخيريَّةِ والدَّعويَّةِ عن دراسةِ وتأمُّلِ حالِهم، وطريقةِ تعامُلِهم = نشأ خطأُ الخلطِ بينَ هاتينِ القضيَّتينِ: الفضيلةِ، والتَّخصُّصيَّةِ.

ولذلك فإنَّ من القواعدِ المُقرَّرةِ عندَ مَن سَلَف في هذه المسألةِ: (أنَّ الخُصوصيَّةَ لا تقتضي الأفضليَّةَ)، فقد يختصُّ شخصٌ بصفاتٍ ومُواصَفاتٍ تُؤهِّلُه لأن يقومَ بإدارةِ أعمالِ الخيرِ بنجاحٍ، فيختصُّ بها، أو قد يختصُّ في خاصَّةِ نفسِه بخصائصَ عن غيرِه يكونُ له بها خصوصيَّةٌ، واختصاصُه بها لا يدلُّ على أنَّه أفضلُ مِن غيرِه، لكنَّه اختصَّ بها. ومثالُ مَن اختصَّ بخصائصَ في نفسِه فخُصَّ بها: ما جاء في صحيحِ الإمامِ مُسلِمٍ من حديثِ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنَّها قالت: كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مُضطَجِعًا في بيتي كاشفًا عن فَخِذَيْهِ أو سَاقَيْهِ، فاستأذَنَ أبو بكرٍ فأَذِنَ له وهو على تلك الحالِ، فتَحدَّثَ، ثُمَّ استأذَنَ عُمَرُ فأَذِنَ له وهو كذلك، فتَحدَّثَ، ثُمَّ استأذَنَ عُثمانُ فجَلَسَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وسَوَّى ثِيابَه، فدَخَلَ فتَحدَّثَ، فلَمَّا خَرَجَ قالت عائشةُ -رضي اللهُ عنها-: دخل أبو بكرٍ فلم تَهتَشَّ له ولم تُبَالِهِ، ثُمَّ دخل عمرُ فلم تَهْتَشَّ له ولم تُبَالِهِ، ثُمَّ دخل عثمانُ فجلستَ وسَوَّيتَ ثِيابَكَ! فقالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِن رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنهُ الملائكةُ»، فهل يُفهَمُ أنَّ الملائكةَ لا تستحي من أبي بكرٍ وعمرَ رضي اللهُ عنهما؟!!

الجوابُ حتمًا: لا. لكنَّ عثمانَ -رضي اللهُ عنه- اختُصَّ بهذه الخصيصةِ؛ لزيادةِ حيائِه، فاختصاصُه بها لا يدلُّ على أنَّه أفضلُ من أبي بكرٍ وعمرَ -رضي اللهُ عنهما-، وأنَّها ليست فيهما، بل قد اختصَّ بزيادةٍ في هذا دونَهما، وأبو بكرٍ وعمرُ -رضي اللهُ عنهما- هما أفضلُ من عثمانَ -رضي اللهُ عنه- بإجماعِ الأُمّةِ كلِّها، فالخصوصيَّةُ هنا لا تقتضي الأفضليَّةَ.

ويظهرُ من هذه الحادثةِ: أنَّ الإنسانَ قد يختصُّ في نفسِه بشيءٍ، فيُقدَّمُ لأجلِ اختصاصِه به وإن كان في القومِ مَن هو أفضلُ منه.

إنَّ تقديمَ أهلِ الاختصاصِ، بحيثُ يُقدَّمُ مَن اختصَّ بعملٍ ونجح فيه على غيرِه، وإن كان في الفضلِ أسبقَ منه = هو المنهجُ النَّبويُّ، الَّذي كان يسيرُ عليه نبيُّنا مُحمَّدٌ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ولذلك تجدُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُقدِّمُ كثيرًا من الصَّحابةِ ولو صَغُر سِنُّه، أو تَأخَّر إسلامُه على مَن له فضلٌ لكِبَرِ سِنٍّ أو سبقِ إسلامٍ؛ وذلك لتَخصُّصِه في عملٍ من الأعمالِ، وذلك لحكمتِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فهو يضعُ الرَّجلَ المُناسِبَ في المكانِ المُناسِبِ، وإن كان في القومِ مَن هو أفضلُ، لكنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُقدِّمُ أهلَ الاختصاصِ على غيرِهم، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ أكتفي منها باثنينِ:

الأوَّلُ: قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «خُذُوا القُرآنَ مِن أربعةٍ: مِن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وسالمٍ مَوْلَى أبي حُذَيفةَ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ» [أخرجه البخاريُّ (3597)، ومسلمٌ (2464) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي اللهُ عنهما]، فهنا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يأمرُ بأن يُتلقَّى القرآنُ ويُؤخَذَ من أربعةٍ من الصَّحابةِ -رضي اللهُ عنهم-، معَ أنَّ الَّذي يَسبُرُ حالَ الصَّحابةِ وينظرُ في سيرِهم يرى أنَّ في الصَّحابةِ مَن يحفظُ ويعلمُ من القرآنِ ما يُمكِنُه أن يُؤخَذَ عنه، لكنَّ هؤلاءِ الأربعةَ -رضي اللهُ عنهم- هم أهلُ الاختصاصِ في هذا المجالِ، مجالِ الإتقانِ والضَّبطِ والحفظِ، فقَدَّمَهم النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على غيرِهم ممَّن هم أفضلُ منهم بلا شكٍّ لاختصاصِهم.

والثَّاني: عن أبي ذَرٍّ -رضي اللهُ عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَلَا تَستَعْمِلُنِي؟ قال: فضَرَبَ بيدِه على مَنْكِبِي، ثُمَّ قال: «يا أبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضعيفٌ، وإنَّها أمانةٌ، وإنَّها يومَ القيامةِ خِزْيٌ وندامةٌ، إلَّا مَن أَخَذَها بحَقِّها وأَدَّى الَّذي عليه فيها» [أخرجه مسلمٌ (1825)].

فهذا أبو ذرٍّ -رضي اللهُ عنه- يسألُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن يُؤمِّرَه ويستعملَه، ولكَ أن تعرفَ مَن هو الَّذي يسألُ الإمارةَ؛ إنَّه أبو ذرٍّ -رضي اللهُ عنه- الَّذي يقولُ عنه النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «ما أَقَلَّتِ الغَبْراءُ ولا أَظَلَّتِ الخَضْراءُ مِن رَجُلٍ أصدقَ لَهْجةً مِن أبي ذرٍّ» [أخرجه أحمدُ 2/175، وابنُ ماجَهْ (156)، وإسنادُه حسنٌ]؛ ومعَ صدقِ أبي ذرٍّ وفضلِه إلَّا أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يعلمُ أنَّه لا يصلحُ لهذا المكانِ، ولذلك قال له النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «يا أبا ذرٍّ، إنَّكَ ضعيفٌ»، فلم يُجامِلْه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بل بيَّن له معَ فضلِه أنَّ هذا المكانَ لا يُناسِبُه، ومِن هذا نأخذُ درسًا عظيمًا في كيفيَّةِ التَّربيةِ، ووضعِ الأمورِ في نصابِها.

ومِن هذينِ المثالينِ -والأمثلةُ في ذلك كثيرةٌ- ينبغي لنا أن نُفرِّقَ بينَ مَن له فضلٌ وسابقةُ خيرٍ وإحسانٍ، ومَن له تَخصُّصٌ وإتقانٌ، فلا يُنسَى لأهلِ الفضلِ فضلُهم، ولا يُعطَى العملَ إلَّا أهلُه المُتقِنونَ له، ولذلك فإنَّ العربَ تقولُ: (أَعطِ القَوسَ باريَها).

إنَّنا إذا أردنا نجاحَ كثيرٍ من مشاريعِنا الدَّعويَّةِ والخيريَّةِ فينبغي أن نعيَ هذه القضيَّةَ جيِّدًا، وأن نضعَ على تلك الأعمالِ أهلَ التَّخصُّصِ فيها والإتقانِ، بعيدًا عن العاطفةِ الَّتي تُؤخِّرُ العملَ وتُضعِفُ إنتاجيَّتَه، فعلينا أن نُقدِّمَ الحكمةَ والعقلَ على الرَّغبةِ والعاطفةِ.

إنَّ تأخُّرَ كثيرٍ من مشاريعِنا الخيريَّةِ والدَّعويَّةِ من أعظمِ أسبابِه تقديمُ مَن لا يملكُ المهاراتِ والقدراتِ الَّتي مِن خلالِها يستطيعُ أن يُديرَ تلك الأعمالَ والمُؤسَّساتِ على وجهِها الَّذي ينبغي أن تكونَ عليه.

أيُّها المُصلِحون: إذا أردنا نجاحَ مشاريعِنا الخيريَّةِ والدَّعويَّةِ فينبغي علينا -لِزامًا- أن نُعطِيَ العملَ لأهلِه الَّذين تَخصَّصوا فيه، والمُتقِنينَ له، ولا يحملْنا حبُّنا لأهلِ الفضلِ فينا والعاطفةُ تجاهَهم إلى أن نضعَهم في أماكنَ لا يُحسِنون إدارتَها، أو لا يجيدون التَّعاملَ معَها، ظنًّا مِنّا أنَّنا أَكرَمْناهم، وما عَلِمْنا أنَّنا أَقحَمْناهم! فهنا ينبغي أن نُقِرَّ لأهلِ الفضلِ فضلَهم، ونُمكِّنَ أهلَ التَّخصُّصِ من تَخصُّصِهم.

ومِن هنا أدعو أهلَ الفضلِ فينا، وأهلَ الخيرِ والإصلاحِ إلى أن يُمكِّنوا أهلَ الاختصاصِ مِن الأعمالِ الَّتي يُجِيدونها، أو يُطوِّروا أنفسَهم تطويرًا يدفعُ بالعملِ إلى عملٍ مُنتِجٍ، لا عملٍ رُوتِينيٍّ جامدٍ!

وخِتامًا: يقولُ اللهُ تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، فما أجملَ أن نَقِفَ معَ هذه الآيةِ وقفةَ تَدبُّرٍ وتأمُّلٍ وعظةٍ وتَفكُّرٍ!

أسألُ اللهَ أن يُسدِّدَ القلمَ، وأن يُعِيذَنا مِن زللِ الفهمِ والنَّظرِ؛ إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وأسألُه لنا التَّوفيقَ والسَّدادَ، والإعانةَ والرَّشادَ، وأن يُعلِّقَ قلوبَنا به، وألَّا يَكِلَنا إلى أنفسِنا طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك؛ إنَّ ربِّي سميعٌ مُجِيبٌ. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.


جديد المقالات

تصميم وتطوير كنون