۩ القائمة الرئيسية ۩
۩ فوائد علمية ۩
۩ القصص الدعوية ۩
۩ البحث ۩
۩ الاستشارات ۩
۩ إحصائية الزوار ۩
۩ التواجد الآن ۩
يتصفح الموقع حالياً 40
تفاصيل المتواجدون
:: الأسبابُ المُعِينةُ على علاجِ الغضبِ، والتَّخلُّصِ منه ::
المقال
:: الأسبابُ المُعِينةُ على علاجِ الغضبِ، والتَّخلُّصِ منه ::
د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
اللَّهُمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني
الأسبابُ المُعِينةُ على علاجِ الغضبِ، والتَّخلُّصِ منه
الحمدُ للهِ مُعِزِّ مَن أطاعه، ومُذِلِّ مَن عصاه وخالَف أمرَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ الأتمَّانِ الأَكْملانِ على سيِّدِ ولدِ عدنانَ، مَن جمع خِصالَ المعروفِ ومكارمَ الأخلاقِ، وعلى آلِه وصحبِه أُولي النُّهى والأحلامِ.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الغضبَ صفةٌ من صفاتِ البشرِ الَّتي جُبِلوا عليها، وهو يُقسَمُ إلى قسمينِ: غضبٌ محمودٌ، وآخَرُ مذمومٌ.
فأمَّا المحمودُ؛ فهو أن يَغضَبَ فيما أقام دعائمَ الحقِّ والدِّينِ؛ وتلك صفةُ سيِّدِ المُرسَلِينَ، الَّذي إذا انتُهِكتْ محارمُ اللهِ لم يَقُمْ لغضبِه قائمةٌ، عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. فإنَّه كان لا يغضبُ إلَّا للهِ، وإذا انتُهِكت محارمُ اللهِ.
قالت أُمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها: (ما ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، لا امْرَأةً، ولا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجاهِدَ في سَبِيلِ اللهِ، وما نِيلَ مِنهُ شَيءٌ قَطُّ فيَنتقِمَ مِن صَاحِبِه إلَّا أن يُنتهَكَ شَيءٌ مِن مَحارِمِ اللهِ فيَنتَقِمَ للهِ عزَّ وجلَّ) [أخرجه مسلمٌ (2328)].
وأمَّا الغضبُ المذمومُ؛ فهو الغضبُ الَّذي يُخرِجُ الإنسانَ عن وزنِ الأمورِ، للتَّعدِّي على الحقوقِ، وظُلمِ العبادِ، والانتقامِ للنَّفسِ.
وعلاجُ هذا الغضبِ المذمومِ في أمورٍ، منها:
أوَّلًا: العلمُ بأنَّ الغضبَ نَفْخةٌ من نفخاتِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ؛ لِيُهيِّجَ العبدَ، فيقعَ فيما لا تُحمَدُ عُقباه. فعليه إذا أصابه شيءٌ من ذلك أن يَستعِيذَ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ؛ {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [فُصِّلت: 36]. قال سُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ: كُنتُ جَالِسًا معَ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ورَجُلانِ يَستَبَّانِ، فأَحَدُهما احْمَرَّ وَجهُه، وانتَفَختْ أَوْداجُه، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمةً لَو قالَها ذَهَبَ عَنهُ ما يَجِدُ، لو قالَ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ" ذَهَبَ عَنهُ ما يَجِدُ». فقَالُوا له: إِنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قالَ: تَعوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ. فقالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ؟! [أخرجه البخاريُّ (3108)، ومسلمٌ (2610)]، حمله غضبُه على رَدِّ هذا الدُّعاءِ، وهذا مِن تَسلُّطِ الشَّيطانِ عليه!! نسألُ اللهَ السَّلامةَ والعافيةَ.
ثانيًا: تعويدُ النَّفسِ على الحِلْمِ والصَّبرِ، وتدريبُها على ذلك. يقولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ومَن يَستَعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومَن يَتَصبَّرْ يُصبِّرْهُ اللهُ، ومَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيرًا وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ» [أخرجه البخاريُّ (1400)، ومسلمٌ (1053) عن أبي سعيدٍ رضي اللهُ عنه]، فجِماعُ الأخلاقِ في تركِ الغضبِ، وتعويدِ النَّفسِ على دفعِه.
قيل لعبدِ اللهِ بنِ المُبارَكِ رحمه اللهُ تعالى: اجمَعْ لنا الخُلُقَ في كلمةٍ. قال: (تركُ الغَضَبِ) [«جامع العلوم والحِكَم» (ص145)]؛ فلِلَّهِ ما أَعقَلَه، وللهِ ما أَزكَاه وأَبَرَّه! كيف جَمَعَ مَعاقِدَ القولِ في هذا الجمعِ البليغِ؟!
ثالثًا: السُّكوتُ؛ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» [أخرجه أحمدُ 1/239، وصحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الصَّحيحةِ» (1375)]، وذلك أنَّ الغاضبَ إذا غَضِب تَفوَّه بكلماتٍ لا يحسبُ لها حسابًا، وقد تُؤدِّي به أحيانًا إلى التَّهلكةِ، سواءٌ في دينِه أو دنياه؛ فكان أعظمُ علاجٍ له الصَّمتَ، فَلْيَسكُتْ.
رابعًا: أن يعملَ الإنسانُ ما يُطفِئُ ويُسكِّنُ غضبَه، ومِن ذلك الوضوءُ؛ قال أبو وائلٍ القاصُّ: دَخَلْنا على عُرْوةَ بنِ مُحمَّدِ بنِ السَّعْديِّ، فكَلَّمه رجلٌ فأَغضَبه، فقامَ فتَوضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وقد تَوضَّأَ، فقالَ: حَدَّثَنِي أبي عن جَدِّي عَطِيَّةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ الغَضَبَ مِن الشَّيطَانِ، وإنَّ الشَّيطَانَ خُلِق مِن النَّارِ، وإنَّما تُطفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ؛ فإذا غَضِب أَحَدُكم فَلْيَتوَضَّأْ» [أخرجه أحمدُ 4/226، وأبو داودَ (4784)، وضعَّفه الألبانيُّ في «السِّلسلةِ الضَّعيفةِ» (582)].
خامسًا: تغييرُ الهيئةِ والمكانِ: فإنْ كان قائمًا فَلْيَجلِسْ، وإن كان جالسًا فَلْيَضطجِعْ، فإن غلبه الغضبُ وعَلِم أنَّه إذا بَقِي في مكانِه استَمرَّ غضبُه، ونَشِط شيطانُه، وهامت نفسُه في الغيِّ = فعليه أن يُفارِقَ المكانَ الَّذي هو فيه إلى مكانٍ تَهدَأُ فيه نفسُه، ويسكنُ فيه فؤادُه. قال أبو الأسودِ: كان أبو ذَرٍّ يَسقِي على حَوضٍ له، فجاءَ قَومٌ، فقالَ: أيُّكم يُورِدُ على أبي ذَرٍّ ويَحتَسِبُ شَعَراتٍ مِن رَأْسِه؟ فقالَ رجلٌ: أنا. فجاءَ الرَّجُلُ فأَورَدَ عليه الحَوضَ فدَقَّه، وكانَ أبو ذَرٍّ قائمًا فجَلَسَ، ثُمَّ اضطَجَع، فقيلَ له: يا أبا ذَرٍّ، لِمَ جَلَستَ ثُمَّ اضطَجَعتَ؟ فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قالَ لنا: «إذا غَضِب أحدُكم وهو قائمٌ فَلْيَجلِسْ، فإنْ ذَهَبَ عنه الغَضَبُ وإلَّا فَلْيَضطَجِعْ» [أخرجه أحمدُ 5/152، وأبو داودَ (4782)، وصحَّحه الألبانيُّ في «المِشْكاة» (5114)].
سادسًا: أن يستشعِرَ أنَّ الحِلْمَ وكظمَ الغيظِ من الأسبابِ الجالبةِ لمحبَّةِ اللهِ تعالى؛ يقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- للأَشَجِّ أَشَجِّ عبدِ القَيسِ: «إنَّ فيكَ خَصْلتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلمُ، والأَناةُ» [أخرجه مسلمٌ (17) عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما].
سابعًا: لِيَعلَمِ العبدُ أنَّ كظمَ الغيظِ من أعظمِ صفاتِ المُتَّقينَ؛ قال اللهُ العليمُ: {وسَارِعُوا إلى مَغفِرةٍ مِن رَبِّكُم وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأَرضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ _ الَّذينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والكاظِمِينَ الغَيظَ والعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ} [آل عمران: 133-134].
كانت جاريةٌ تَصُبُّ الماءَ على يدي جعفرٍ الصَّادقِ رحمه اللهُ تعالى، فوقع الإبريقُ مِن يدِها فانتَثَر الماءُ عليه؛ فاشتَدَّ غضبُه، فقالت له: يا مَوْلاي: {والكَاظِمِينَ الغَيظَ}، قال: كَظَمتُ غَيظِي. قالت: {والعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، قال: عَفَوتُ عنكِ. قالت: {واللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ}، قال: أنتِ حُرَّةٌ. فانظُرِ احترامَهم لآياتِ القرآنِ وآدابِه!
ثامنًا: تَذكَّرِ الفضلَ الَّذي رتَّبه اللهُ لمن غَضِب فكَظَم غيظَه وهو قادرٌ على إنفاذِه؛ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن كَظَمَ غَيظًا، وهو قادرٌ على أن يُنفِذَه؛ دَعَاهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على رُؤُوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتَّى يُخيِّرَهُ اللهُ مِن الحُورِ ما شاء» [أخرجه أحمدُ 3/440، وأبو داودَ (4777)، والتِّرمذيُّ (2021)، وابنُ ماجه (4186)، وحسَّنه الألبانيُّ كما في «صحيح التَّرغيبِ والتَّرهيبِ» (2653) عن مُعاذِ بنِ أنسٍ رضي اللهُ عنه].
وروى الطَّبرانيُّ أنَّ رجلًا جاء للنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: يا رسولَ اللهِ، دُلَّني على عملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ. قال له -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَغضَبْ، ولكَ الجنَّةُ» [«المُعجَم الأوسط» (2353) عن أبي الدَّرداءِ رضي اللهُ عنه، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (2749)].
تاسعًا: أنَّ في ردِّ الغضبِ اتِّباعًا لوصيَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا كظم الإنسانُ غضبَه ولم يُنفِذْه فإنَّه قد اتَّبع هديَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخيرُ الهديِ هديُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، القائلُ في وصيَّته لطالبهَا: «لا تَغضَبْ»، فرَدَّدَ مِرارًا قال: «لا تَغضَبْ» [أخرجه البخاريُّ (5765) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه].
وهنا جمع النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في قولِه: «لا تَغضَبْ» بينَ خيرَيِ الدُّنيا والآخرةِ؛ لأنَّ الغضبَ يَؤُولُ إلى التَّقاطعِ، فهو مِفتاحُ الفتنِ والآثامِ، وبريدُ التَّفرُّقِ والانقسامِ، ويُستدَلُّ به على ضعفِ العقلِ والإيمانِ.
عاشرًا: إنَّ في دفعِ الغضبِ ردًّا للعدوانِ، وإغلاقًا لبابِ الفتنةِ؛ قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى: (دَخَل النَّاسُ النَّارَ من ثلاثةِ أبوابٍ: بابُ شُبهةٍ أَورَثَتْ شكًّا في دينِ اللهِ، وبابُ شهوةٍ أَورثَتْ تقديمَ الهوى على طاعتِه ومرضاتِه، وبابُ غضبٍ أَورَث العداونَ على خلقِه) [«الفوائد» (ص58)].
حادِيَ عشَرَ: أنَّ في دفعِ الغضبِ إثباتًا لشجاعةِ الشَّخصِ المالكِ لنفسِه عندَ الغضبِ؛ ولهذا يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يَملِكُ نفسَه عِندَ الغضبِ» [أخرجه البخاريُّ (5763)، ومسلمٌ (2609) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه]، فضبطُ النَّفسِ مقياسٌ لشجاعةِ الشَّخصِ، وقُوَّةِ حِلمِه، وثباتِ قلبِه، وشجاعتِه. يقولُ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: (انظُروا إلى حِلْمِ الرَّجلِ عندَ غضبِه، وأمانتِه عندَ طمعِه؛ وما عِلمُكَ بحلمِه إذا لم يَغضَبْ، وما عِلمُكَ بأمانتِه إذا لم يَطمَعْ) [«إحياء علوم الدِّين» 3/150]، أي أنَّكَ لا تعرفُ الإنسانَ إلَّا عندَ الغضبِ والطَّمعِ، وعندَهما ينكشفُ لكَ حالُه!
ثانِيَ عشَرَ: دفعُ السَّيِّئةِ بالحسنةِ؛ فإنَّ هذه هي غايةُ مكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الطِّباعِ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: {ولا تَستَوِي الحَسَنةُ ولا السَّيِّئةُ ادفَعْ بالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فإذا الَّذي بَينَكَ وبَينَهُ عَداوةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ _ وما يُلقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ _ وإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزْغٌ فَاستَعِذْ باللهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [فُصِّلت: 34-36].
ثالِثَ عشَرَ: إنَّ في مُجاراةِ الغضبِ وعدمِ دفعِه حصولَ النَّدامةِ -في الغالبِ- بعدَ ذهابِه؛ يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه: (أوَّلُ الغضبِ جُنُونٌ، وآخِرُه نَدَمٌ، ورُبَّما كان العَطَبُ في الغضبِ) [«الآداب الشَّرعيَّة» 1/205]، فالغضبُ ممَّا يسوقُ العبدَ إلى مواطنِ العَطَبِ، فما أحوجَه إلى معرفةِ معاطبِه ومساوئِه؛ لِيحذَرَ ذلك ويتَّقيَه، ويُميطَه عن القلبِ إن كان ويَنفِيَه، ويُعالِجَه إن رسخ في قلبِه ويُداوِيَه، فإنَّ مَن لا يعرفُ الشَّرَّ يقعُ فيه، ومَن عرفه فالمعرفةُ لا تَكفِيه، ما لم يَعرِفِ الطَّريقَ الَّذي به يدفعُ الشَّرَّ ويُقصِيه.
رابعَ عشرَ: أن يعلمَ الشَّخصُ أنَّ الغضبَ -في الغالبِ- يُورِثُ الحقدَ والحسدَ، والعداوةَ والبغضاءَ، والعدوانَ وحُبَّ الانتقامِ، وهو يَؤُولُ إلى التَّقاطعِ؛ فهو مفتاحُ الفتنِ والآثامِ، وبريدُ التَّفرُّقِ والانقسامِ، فالغضبُ مفتاحُ كُلِّ عداوةٍ وشَرٍّ، يقولُ جعفرُ بنُ مُحمَّدٍ رضي اللهُ عنهما: (الغضبُ مِفتاحُ كُلِّ شرٍّ) [«جامع العلوم والحِكَم» (ص145)]، فجِماعُ الخيرِ في الحِلْمِ، وجماعُ الشَّرِّ في الغضبِ.
وإنَّ نتائجَه عظيمةٌ، وعواقبَه وخيمةٌ: فكم دُمِّرت به أُسَرٌ، ومُزِّقت به بيوتٌ، وقُطِّعت به أرحامٌ، وأُشعِلت به فتنٌ، وقامت بسببِه مِحَنٌ، وزُرِعت بفعلِه إِحَنٌ؛ رُمِّلت به نساءٌ، وأُرِيقت به دماءٌ، يُغضِبُ الرَّحمنَ، ويُفرِّقُ الإخوانَ، ويُعمِي الأبصارَ، ويُصِمُّ الآذانَ!
خامسَ عشرَ: كثرةُ الدُّعاءِ بأن يرزقَكَ اللهُ الحِلمَ، وكلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرِّضا؛ فقد كان مِن دعائِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وأَسأَلُكَ كَلِمةَ الحقِّ في الرِّضا والغَضَبِ» [أخرجه أحمدُ 4/264، والنَّسائيُّ (1305) عن عمَّارِ بنِ ياسرٍ رضي اللهُ عنه، وصحَّحه الألبانيُّ في «المشكاةِ» (2497)].
سادسَ عشرَ: قراءةُ سِيَرِ مَن ابتُلُوا فصَبَروا، وأُغضِبوا فكَظَموا، وأُوذُوا فحَلُمُوا، وأعظمُ سِيَرِ هؤلاءِ سِيرةُ النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فخيرُ الهديِ هديُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ سِيرةُ أتباعِه الكرامِ، ومَن جاء بعدَهم مِن أهلِ مكارمِ الأخلاقِ ومعادنِ طيبِ الفِعالِ وكريمِ الخصالِ؛ قال أنسُ بنُ مالكٍ رضي اللهُ عنه: كُنتُ أَمشِي معَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وعليه بُرْدٌ نَجْرانيٌّ غَلِيظُ الحاشِيةِ [أي نوعٌ من الثِّيابِ يُصنَعُ بنَجْرانَ حافَتُه غليظةٌ]، فأَدرَكَه أَعْرابيٌّ فجَذَبَه جَذْبةً شَدِيدةً؛ حتَّى نَظَرتُ إلى صَفْحةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَدْ أَثَّرتْ به حَاشِيةُ الرِّداءِ مِن شِدَّةِ جَذْبتِه! ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللهِ الَّذِي عِندَكَ. فَالْتَفتَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطاءٍ. [أخرجه البخاريُّ (2980)، ومسلمٌ (1057)].
تَذكِرةٌ: عليكَ أخي الكريمَ بإعادةِ النَّظرِ في هذه الأسبابِ مِن وقتٍ لآخرَ، والتَّأمُّلِ فيها؛ لِتُعانَ على استذكارِها، والعملِ بالحقِّ الَّذي فيها.
أسألُ الله أن يغفرَ لنا ذنوبَنا، وأن يُذهِبَ غيظَ قلوبِنا، وأن يُجِيرَنا من مُضِلَّاتِ الفتنِ، وأن يَهدِيَنا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوالِ، لا يَهدِي لأحسِنها إلَّا هو، وأن يَصرِفَ عنَّا سيِّئَها، لا يَصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلَّا هو.
ربَّنا إنَّا ظَلَمْنا أنفُسَنا ظلمًا كثيرًا، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ؛ فاغفِرْ لنا مغفرةً مِن عندِكَ، إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ.