۩ القائمة الرئيسية ۩
۩ فوائد علمية ۩
۩ القصص الدعوية ۩
۩ البحث ۩
۩ الاستشارات ۩
۩ إحصائية الزوار ۩
۩ التواجد الآن ۩
يتصفح الموقع حالياً 19
تفاصيل المتواجدون
:: الوقفُ الخيريُّ الإلكترونيُّ ::
المقال
:: الوقفُ الخيريُّ الإلكترونيُّ ::
د. ظَافِرُ بْنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعَانَ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
ومنه المعونةُ والسَّدادُ
الوقفُ الخيريُّ الإلكترونيُّ
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه المُصطفَى، وعلى آلِه وصحبِه ومَن مِثلَهم وفَى.
أمَّا بعدُ؛ فقد مثَّل الجانبُ الخيريُّ للأُمَّةِ الإسلاميَّةِ سِمةً بارزةً وعلامةً مُميِّزةً لها عن غيرِها من أُمَمِ الأرضِ؛ {كنتم خيرَ أُمَّةٍ أُخرِجتْ للنَّاسِ}، فاتَّصَف أهلُ الإسلامِ بالخيرِ أفرادًا وجماعاتٍ، يحملُه جيلٌ عن جيلٍ.
فأبوابُ الخيرِ ومنافعُ البِرِّ الَّتي جاء الإسلامُ بها، وفتَحها للنَّاسِ مِن أجلِ نفعِ الآخَرِينَ والأخذِ بيدِ كافَّةِ فئاتِ المجتمعِ إلى مُستقبَلٍ أفضلَ، تَسُودُه رُوحُ الإخاءِ والتَّكاتفِ = منها ما هو واجبٌ على المرءِ المسلمِ؛ كالزَّكواتِ والكفَّاراتِ والنُّذُورِ وغيرِها، ومنها ما هو ذو طابعٍ تطوُّعيٍّ بحتٍ، لا إلزامَ فيه ولا إجبارَ، يطلبُه المسلمُ ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى، ورغبةً فيما أعدَّه اللهُ للمُحسِنينَ والمُحسِناتِ، والمُتصدِّقينَ والمُتصدِّقاتِ في الدَّارِ الآخِرةِ من النَّعيمِ المقيمِ؛ وهو: أنواعُ الصَّدقاتِ التَّطوُّعيَّةِ، ومِن أجلِّها وأهمِّها الوقفُ.
ونظامُ الوقفِ في الإسلامِ يُمثِّلُ رافدًا من أهمِّ روافدِ الصَّدقاتِ التَّطوُّعيَّةِ، وجانبًا عظيمًا في بابِ أعمالِ الخيرِ والبِرِّ، وهو بمفهومِه الواسعِ يُمثِّلُ أصدقَ تعبيرٍ، وأوضحَ صورةٍ للصَّدقةِ التَّطوُّعيَّةِ الدَّائمةِ، وله من الخصائصِ والمُواصَفاتِ ما يُميِّزُه عن غيرِه؛ وذلك بعدمِ محدوديَّتِه، واتِّساعِ آفاقِ مجالاتِه، والقدرةِ على تطويرِ أساليبِ التَّعاملِ معَه.
وإنَّ النَّاظرَ في تاريخِنا لَيَرَى أنَّ الوقفَ له دَورٌ مُهِمٌّ وفعَّالٌ في حياةِ المسلمينَ كافَّةً؛ إذْ إنَّه طال مُختلِفَ جوانبِ حياتِهم: الاجتماعيَّةِ، والاقتصاديَّةِ، والثَّقافيَّةِ؛ وامتَدَّتْ آثارُه الإيجابيَّةُ لتشملَ معظمَ أوجهِ الحياةِ المُختلِفةِ؛ فقد مثَّلتِ الأوقافُ نواةً قويَّةً ودَورًا رئيسًا ساهَم في تَقدُّمِ وسبقِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ عبرَ التَّاريخِ؛ حيثُ وفَّرتِ الحياةَ الكريمةَ لشرائحَ كبيرةٍ من المجتمعِ؛ كالعلماءِ وطُلَّابِ العلمِ، ولبَّتْ حاجاتِ الضُّعفاءِ والفقراءِ والمساكينِ، وساعَدتْ في انتشالِ كثيرٍ منهم مِن ضنكِ العيشِ والفقرِ، وصيانةِ وجوهِهم عن الحاجةِ للنَّاسِ، وأسهَمتْ في إنشاءِ المشافي ورعايةِ المرضى، وتأسيسِ دُورِ العلمِ ورعايةِ طلبتِها، وإنشاءِ الطُّرُقِ والسُّبُلِ والآبارِ، وبلَغتْ آثارُها لتشملَ التَّحصيناتِ العسكريَّةَ وإعدادَ الجيوشِ؛ وبهذا تكونُ الأوقافُ قد أَتَتْ على جُلِّ المجالاتِ تقريبًا؛ سواءٌ الثَّقافيَّةُ منها أو الاجتماعيَّةُ أو الاقتصاديَّةُ أو الصِّحِّيَّةُ.
إِنَّ الصَّدقةَ الجاريةَ في قولِه r: «إذا ماتَ الإنسانُ؛ انقَطَعَ عنه عملُه إلَّا مِن ثلاثةٍ: إلَّا مِن صَدَقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو وَلَدٍ صالحٍ يدعو له» [أخرجه مسلمٌ (2682) عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه]، محمولةٌ عندَ العلماءِ على الوقـفِ. قال الإمامُ النَّوويُّ -رحمه اللهُ تعالى- في شرحِ هذا الحديثِ: (الصَّدقةُ الجاريةُ هي: الوقفُ). ["شرح صحيح مسلم" 11/85]. فالصَّدقةُ الَّتي لا تبقى كالصَّدقةِ بمالٍ على فقيرٍ أو بطعامٍ؛ فهذه وإنْ كانت صدقةً لها ثوابُها، إلَّا أنَّها ليست جاريةً؛ لأنَّها لا تبقى.
أمَّا الصَّدقةُ الجاريةُ؛ فهي الَّتي تبقى مُدَّةً طويلةً؛ كبناءِ المساجدِ، أو حفرِ الآبارِ، أو نشرِ العلمِ الشَّرعيِّ عن طريقِ توزيعِ المصاحفِ أو الكتبِ أو الأشرطةِ أو أسطواناتِ الكمبيوترِ، أو تخريجِ طلبةِ العلمِ، أو إيصالِ الماءِ إلى المحتاجين إليه عن طريقِ حفرِ بئرٍ، أو استخراجِه وإيصالِه، أو بناءِ المستشفياتِ، أو بناءِ دُورٍ للمُسِنِّينَ والأيتامِ واللُّقَطاءِ والمُشرَّدِينَ، أو بناءِ الجامعاتِ والمدارسِ ومراكزِ التَّعليمِ، أو التَّبرُّعِ بسيَّاراتِ الإسعافِ لحملِ الجرحى وحملِ الجنائزِ.
تقولُ الدُّكتورةُ شريفةُ بنتُ الشَّيحِ مُحمَّدٍ العبُّوديِّ رحمه اللهُ تعالى: (حدَّثَني الوالدُ: أنَّ امرأةً اسمُها "مُنِيرةُ" قامتْ بإملاءِ وصيَّتِها في حدودِ عامِ ١٢٨٢هـ على أخيها قبلَ وفاتِها؛ لأنَّ لها ابنةً واحدةً، ولم يكنْ لها أبناءٌ ذكورٌ.
وقد أَوصَتْ بإيقافِ ثُلُثِ مالِها؛ وذلك ببيعِ حُلِيِّها، وشراءِ مخزنٍ [أي "دُكَّانٍ" بلُغةِ ذلك العصرِ] يكونُ وَقْفًا تُشترَى بأُجرتِه أُضحِيَّةٌ، ويُوزَّعُ منها صدقاتٌ على المُحتاجِينَ.
وبعدَ وفاتِها بِيعَ حُلِيُّها، وحُصِرتْ تَرِكتُها، وتَمَّ بالثُّلُثِ شراءُ مخزنٍ باثنَيْ عشَرَ ريالًا، وتَتابَع الورثةُ على نِظارةِ الوقفِ وتنفيذِ الوصيَّةِ، فبأُجرتِه تُشترَى أُضحِيَّةٌ، وطعامٌ يُطبَخُ ويُوزَّعُ في رمضانَ.
وبعدَ مئةِ عامٍ على وفاتِها، كانتْ أُجرةُ الدُّكَّانِ [وليس ثمنُه] أكثرَ من ١٥ ألفَ ريالٍ! وكانت تكفي حينَها لشراءِ ثلاثينَ أُضحِيَّةً بدلًا من أُضحِيَّةٍ واحدةٍ!
وعندَ تنفيذِ توسعةِ جامعِ بُرَيدةَ؛ دخَل الدُّكَّانُ في التَّوسعةِ، ودفَعتِ الحكومةُ ما يَقرُبُ مِن نصفِ مليونَ ريالٍ تعويضًا عنه؛ فاشترى النَّاظرُ الأمينُ للوقفِ عِمارةً كاملةً تَتكوَّنُ من أربعةِ دكاكينَ وثلاثِ شُقَقٍ تُؤجَّرُ ويُصرَفُ مِن إيجارِها للأُضحِيَّاتِ والصَّدقاتِ والمُساعَداتِ لعَقِبِ ورثةِ "مُنِيرةَ" المُوصِيةِ.
واليومَ [عامَ ١٤٣٣هـ]، وبعدَ الوصيَّةِ بأكثرَ مِن مئةٍ وخمسينَ عامًا؛ لم يَنقُصْ أصلُ الموقوفِ، بل تَضاعَف مئاتِ المرَّاتِ واستَمَرَّ أجرُه للمُتوفَّاةِ صدقةً جاريةً وللمُحتاجِينَ مِن عَقِبِها فائدةً ومُتنفَّسًا) ["والدي الشَّيخُ مُحمَّدُ بنُ ناصرٍ العبُّوديُّ" ص٩٨ بتَصرُّفٍ يسيرٍ].
هذا أثرُ وقفٍ واحدٍ؛ فكيف بآلافِ الأوقافِ، بل ملايينِ الأوقافِ؟!!
إنَّ ممَّا جدَّ في هذا الزَّمنِ: التِّقْنيَّةَ الحديثةَ، واتِّساعَ استخدامِها، ووَفْرةَ برامجِ التَّواصلِ السَّريعِ، الَّتي جعَلتِ الجميعَ رجالًا ونِساءً، وصِغارًا وكبارًا يتعاملون معَها ما بينَ مُقِلٍّ ومُكثِرٍ.
هذا كلُّه ممَّا جعل العملَ على التِّقنيَّةِ شيئًا لا مفرَّ منه، بل أصبَحتْ عندَ كثيرٍ من المستخدمين [من التُّجَّارِ، والمُتعلِّمينَ، والسَّاسةِ، والمُنظِّمينَ، والأَطِبَّاءِ، والتِّقْنِيِّينَ، والعلماءِ، والباحثينَ، وغيرِهم] = ضرورةً مُلِحَّةً.
لقد غَدَتِ الشَّبكةُ العنكبوتيَّةُ في زمانِنا هذا ذاتَ أهمِّيَّةٍ بالغةٍ في التَّواصلِ والتَّقاربِ الفكريِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والاقتصاديِّ بينَ النَّاسِ؛ فعن طريقِ بعضِ القنواتِ، والبرامجِ، والمِنَصَّاتِ، والغُرَفِ والمُنتدَياتِ يَتلاقَى النَّاسُ ويتواصلون ويتباحثون، وعن طريقِ المكتباتِ العالَميَّةِ والمراكزِ البحثيَّةِ الشَّبكيَّةِ يحصلُ الطَّالبُ على بُغْيتِه وهو مُتَّكِئٌ على أريكتِه داخلَ حجرتِه وفي فناءِ بيتِه، بل أَصبَحتْ أعقدُ العمليَّاتِ الجراحيَّةِ تُدارُ عن طريقِ هذا التَّواصلِ الفاتنِ السَّاحرِ العملاقِ!
وبعدَ هذا البيانِ لأهمِّيَّةِ واتِّساعِ هذه التِّقْنيَّةِ، وانتشارِ وسائلِها، ويُسرِ استخدامِها؛ كان لِزامًا على أهلِ الخيرِ والفضلِ أن يكونَ لهم في هذا العالَمِ مكانٌ، وفي هذا السَّبقِ مجالٌ وسلطانٌ، وأن يُشارِكوا مُشارَكةً فعَّالةً لنفعِ أنفسِهم ونفعِ النَّاسِ؛ فبابُ المشاركةِ بالخيرِ في هذا المجالِ قد يُعَدُّ ولا يُحَدُّ!
ومن أبوابِ الخيرِ الَّتي يمكنُ المشاركةُ بها في هذا المجالِ الرَّحبِ: (الوقفُ الخيريُّ الإلكترونيُّ).
إذا تقرَّر أهمِّيَّةُ الوقفِ، وبيانُ منافعِه الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وعوائدِه العاجلةِ والآجِلةِ؛ فهل يُمكِنُ أن يكونَ لدى المسلمينَ أوقافٌ خيريَّةٌ إلكترونيَّةٌ؟!
وقبلَ الإجابةِ على هذا السُّؤالِ، لعلَّنا نُلقِي الضَّوءِ على مفهومِ (الوقفِ الخيريِّ الإلكترونيِّ)؛ فنقولُ:
هو تحبيسُ الأصولِ الإلكترونيَّةِ، وتسبيلُ منافعِها في أوجهِ الخيرِ.
وبيانُه: أنَّه حبسٌ للأصولِ الإلكترونيَّةِ من برامجَ، ومواقعَ، وحساباتٍ، وقوالبَ، وسيرفراتٍ ونحوِها؛ وهذه الأصولُ تعملُ بطريقةٍ تِقْنيَّةٍ إلكترونيَّةٍ، من خلالِ إعداداتٍ وبياناتٍ ومُعطَياتٍ، يحصلُ المُستفِيدُ على منافعَ وخِدْماتٍ مُعيَّنةٍ في جميعِ المجالاتِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ المُباحةِ، فهو وقفُ منافعَ خيريٌّ تِقْنيٌّ إلكترونيٌّ دائمٌ.
ومِن خلالِ التَّعريفِ وبيانِه، يظهرُ أنَّه يمكنُ أن يكونَ لدينا أوقافٌ خيريَّةٌ إلكترونيَّةٌ، وقد يكونُ نفعُها في أحايينَ كثيرةٍ أَجدَى من بعضِ الأوقافِ التَّقليديَّةِ المعروفةِ! وذلك عن طريقِ أعدادِ المُستفِيدِينَ منها؛ فإنَّ بعضَ المواقعِ العِلْميَّةِ أو الدَّعويَّةِ أو التَّربويَّةِ لا يَقِلُّ زُوَّارُه يوميًّا عن مئاتِ الآلافِ؛ ممَّا يدلُّ دلالةً واضحةً على أهمِّيَّةِ هذه الأعمالِ وضرورةِ المشاركةِ فيها عن طريقِ الأوقافِ الخيريَّةِ الإلكترونيَّةِ، ذاتِ العملِ الدَّائمِ المُستمِرِّ، المُشتمِلِ على شروطِ الوقفِ العامَّةِ الَّتي ذكَرها الفقهاءُ، وهي:
أوَّلًا: أن يكونَ الواقفُ جائزَ التَّصرُّفِ؛ فلا بدَّ للواقفِ وقفًا إلكترونيًّا أن يكونَ بالغًا عاقلًا يَملِكُ أمرَ نفسِه.
ثانيًا: أن يكونَ الموقوفُ ممَّا يُنتفَعُ به انتفاعًا مُستمِرًّا، معَ بقاءِ عينِه؛ فلا وقفَ في ما لا يبقى بعدَ الانتفاعِ به؛ كالطَّعامِ، والشَّرابِ، والكساءِ. فيكونُ الوقفُ الإلكترونيُّ ممَّا يُعرَفُ عادةً استمرارُه وبقاؤُه، معَ بذلِ الأسبابِ المُقتضِيةِ لدوامِه واستمرارِه.
ثالثًا: أن يكونَ الموقوفُ مُعيَّنًا؛ فلا يصحُّ وقفُ غيرِ المُعيَّنِ؛ كما لو قال: (أوقفتُ بيتًا من بيوتي، أو نخلةً من مزرعتي)؛ فلا يُوقَفُ وقفًا إلكترونيًّا عامًّا، بل لا بدَّ فيه من تعيينِ موقعٍ ونشاطٍ مُحدَّدٍ.
رابعًا: أن يكونَ الوقفُ على بِرٍّ؛ لأنَّ المقصودَ به التَّقرُّبُ إلى اللهِ تعالى؛ كالمساجدِ، والمساكينِ، والسِّقاياتِ، وكتبِ العلمِ، والأقاربِ؛ فلا يصحُّ الوقفُ على غيرِ جهةِ بِرٍّ. فيكونُ الوقفُ الإلكترونيُّ على بابِ برٍّ ونفعٍ للنَّاسِ، لا ما لا نفعَ فيه ولا بِرَّ؛ كوقفِ بعضِ المواقعِ والمنافعِ على نشرِ الكفرِ والبدعِ والمُنكَراتِ، والمعاصي والمُوبِقاتِ؛ فذلك إعانةٌ على المعصيةِ والشِّركِ والكفرِ!
خامسًا: يُشترَطُ في صِحَّةِ الوقفِ إذا كان على مُعيَّنٍ أن يكونَ ذلك المُعيَّنُ يَملِكُ مِلْكًا ثابتًا؛ لأنَّ الوقفَ تمليكٌ، فلا يَصِحُّ على مَن لا يَملِكُ؛ كالميِّتِ والحيوانِ!
سادسًا: يُشترَطُ لصحَّةِ الوقفِ أن يكونَ مُنجَّزًا؛ فلا يصحُّ الوقفُ المُؤقَّتُ ولا المُعلَّقُ، إلَّا إذا علَّقه على موتِه، فإنَّه يصحُّ حينَئذٍ؛ كأنْ يقولَ: إذا مِتُّ فبيتي وقفٌ على كذا من أبوابِ الخيرِ. ومِثلُه الوقفُ الإلكترونيُّ؛ فلا بدَّ أن يكونَ مُنجَّزًا، فلا يقولُ: (وقَفتُ مِنَصَّةَ كذا، أو مُنتدَى كذا)، ولم يُنجِّزْ هذا الوقفَ لنفعِ النَّاسِ.
فإذا تَحقَّقتْ هذه الشُّروطُ في الواقفِ والموقوفِ؛ كان وقفًا خيريًّا يجري نفعُه وبِرُّه لِمَن أَوقَفَه أو شارَك فيه.
أمَّا كيفيَّةُ المشاركةِ النَّافعةِ في هذه الأوقافِ الإلكترونيَّةِ؛ فهي بابٌ واسعٌ لا يمكنُ حصرُه هنا، ولكنْ يمكنُ إلقاءُ الضَّوءِ على بعضِ الأمثلةِ الَّتي مِن خلالِها يستطيعُ الرَّاغبُ أن يكونَ له وقفٌ خيريٌّ إلكترونيٌّ، وستكونُ هذه الأمثلةُ عامَّةً لسببينِ:
الأوَّلُ: أريدُ منها ألَّا تنحصرَ فكرتُها في المثالِ، بل تَتعدَّاه وتتطوَّرُ لنفعِ الناسِ.
والثَّاني: بسببِ التَّطوُّرِ السَّريعِ جدًّا لهذه التِّقْنيَّةِ الحديثةِ؛ فكُلَّ يومٍ يُستحدَثُ شيءٌ، ويُبتكَرُ شيءٌ آخَرُ، فلو حُصِرتِ الأمثلةُ في بعضِها لَكان ذلك مَدْعاةً لعدمِ الاستفادةِ منها مُستقبَلًا.
ومِن الأمثلةِ على بعضِ الأوقافِ الخيريَّةِ الإلكترونيَّةِ:
1- إنشاءُ قنواتِ بثٍّ مُباشِرٍ أو مُسجَّلٍ؛ سواءٌ للقرآنِ الكريمِ وتعليمِه، أو للعلمِ الشَّرعيِّ ونحوِه، وتزويدُها بكلِّ مفيدٍ ونافعٍ من الموادِّ الدَّعويَّةِ والعلميَّةِ النَّافعةِ؛ فيكونُ الأجرُ قائمًا، والصَّدقةُ جاريةً.
2- إنشاءُ مقارئَ إلكترونيَّةٍ لإقراءِ القرآنِ الكريمِ؛ وهذه من أهمِّ ما يمكنُ من خلالِه إقراءُ وتعليمُ كثيرٍ من النَّاسِ القرآنَ الكريمَ، وخاصَّةً أنَّ الحاجةَ أصبَحتْ مُلِحَّةً لوجودِ مواقعَ تهتمُّ بتعليمِ القرآنِ الكريمِ، وأحكامِ التَّجويدِ والتِّلاوةِ.
3- إنشاءُ المصاحفِ الإلكترونيَّةِ، شريطةَ أن تكونَ مضبوطةً صحيحةً سالمةً من الزِّيادةِ أو النَّقصِ أو الخطأِ.
4- إنشاءُ الموسوعاتِ الحديثيَّةِ، معَ الاهتمامِ بضبطِها وصحَّةِ ألفاظِها.
5- إنشاءُ إذاعاتٍ صوتيَّةٍ مُتخصِّصةٍ في القرآنِ الكريمِ، أو العلومِ الشَّرعيَّةِ، أو الحواريَّةِ، أو الدَّعويَّةِ، أو قضايا المرأةِ.
6- إنشاءُ مُلتقَياتٍ تعريفيَّةٍ بالإسلامِ، والدَّعوةِ إليه، ومُناقَشةِ الشُّبَهِ والانحرافاتِ الفكريَّةِ والعقديَّةِ.
7- إنشاءُ مواقعَ خاصَّةٍ بالحوارِ النَّافعِ، سواءٌ معَ غيرِ المسلمينَ، أو مَن عندَه شُبْهةٌ من المسلمينَ.
8- إنشاءُ مواقعَ ومنتدياتٍ، ودعوةُ أهلِ العلمِ وطُلَّابِه للكتابةِ فيها؛ فيستفيدُ بذلك المُشترِكون والزَّائرون.
9- إنشاءُ مجموعاتٍ بريديَّةٍ، أو مجموعاتِ تواصلٍ عن طريقِ البرامجِ الخاصَّةِ بذلك، ثُمَّ تكونُ بعدَ ذلك الفائدةُ منها والإفادةُ، والتَّعاونُ على البرِّ والتَّقوى.
وَلْيَنتَبِهِ العبدُ أنَّ ما يكتبُه ويقولُه سيُحاسَبُ عليه حتمًا:
وما مِن كاتبٍ إلَّا سيَفنَى ... ويَبقَى الدَّهرَ ما كتبَتْ يَدَاهُ
فلا تَكتُبْ بكَفِّكَ غيرَ شيءٍ ... يَسُرُّكَ في القيامةِ أن تَرَاهُ
10- إنشاءُ مواقعَ خاصَّةٍ بالمجلَّاتِ والبحوثِ العلميَّةِ النَّافعةِ.
11- إنشاءُ المنصَّاتِ التَّعليميَّةِ؛ وهي عبارةٌ عن بيئةٍ تعليميَّةٍ تفاعليَّةٍ تُوظِّفُ تِقْنيَّةَ الإنترنت، وتجمعُ بينَ مُميِّزاتِ أنظمةِ إدارةِ المُحتوَى الإلكترونيِّ وبينَ شبكاتِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ، وتُمكِّنُ المُعلِّمينَ مِن نشرِ الدُّروسِ ووضعِ الواجباتِ وتطبيقِ الأنشطةِ التَّعليميَّةِ، والاتِّصالِ بالمُعلِّمينَ، وتقسيمِ الطُّلَّابِ إلى مجموعاتِ عملٍ؛ وتساعدُ على تبادلِ الأفكارِ والآراءِ بينَ المُعلِّمينَ والطُّلَّابِ، ومشاركةِ المحتوى العلميِّ؛ ممَّا يساعدُ على تحقيقِ مُخرَجاتٍ تعليميَّةٍ ذاتِ جودةٍ عاليةٍ.
12- فتحُ حسابٍ في مواقعِ التَّواصلِ، تُنشَرُ فيه آياتٌ قرآنيَّةٌ، وأحاديثُ نبويَّةٌ، وأقوالٌ مأثوراتٌ، وحِكَمٌ وعِظاتٌ تُفيدُ الكبيرَ وتُعلِّمُ الصَّغيرَ.
13- فتحُ حسابٍ في مواقعِ الصُّورِ، تُوضَعُ فيه لوحاتٌ تذكيريَّةٌ ببعضِ الأذكارِ والفضائلِ، والأدعيةِ والفوائدِ.
14- مواقعُ خاصَّةٌ بالدَّلالةِ على الأوقافِ، وطريقةِ التَّوصُّلِ لها؛ فتكونُ مواقعَ خدميَّةً للأوقافِ.
15- المُشارَكةُ في الدِّعاياتِ الخيريَّةِ للأوقافِ العامَّةِ والخاصَّةِ عن طريقِ المواقعِ والمُنتدَياتِ الإلكترونيَّةِ، وكلِّ ما يمكنُ مِن خلالِه الدِّعايةُ لتلك الأوقافِ؛ للمُشارَكةِ معَ الواقفينَ في الأجرِ.
16- كتابةُ الكتبِ والمقالاتِ النَّافعةِ، ورفعُها على الشَّبكةِ.
17- تحميلُ الكتبِ الإلكترونيَّةِ النَّافعة؛ وهذا العملُ مشاركةٌ في الوقفِ؛ إذْ إنَّ أصلَ الوقفِ لكاتبِه ومُؤلِّفِه، لكنْ مَن جاء على كتابٍ يحتاجُه النَّاسُ، فأعاد طبعَه، أو رفَعه على الشَّبكةِ، أو في البرامجِ المُعَدَّةِ لنشرِ الكتبِ؛ فهذا من المشاركةِ في الوقفِ، وهو من الأعمالِ الجليلةِ؛ لحاجةِ كثيرٍ من طُلَّابِ العلمِ لبعضِ الكتبِ الَّتي لا يستطيعون شراءَها، أو الحصولَ عليها.
18- تطبيقاتُ الهواتفِ الذَّكيَّةِ؛ فيتمُّ إنشاءُ تطبيقاتٍ تخدمُ المسلمينَ بمحتواها الهادفِ، أو تُساعِدُ على دعمِ المشاريعِ الخيريَّةِ، معَ العنايةِ بها وحسنِ مُتابَعتِها.
19- إنتاجُ البرامجِ الخدميَّةِ الَّتي لا يستغني عنها طالبُ التِّقْنيَّةِ، ومِن خلالِها يقضي الإنسانُ حوائجَه بكُلِّ يُسرٍ وسهولةٍ.
20- إيقافُ بعضِ أدواتِ التِّقْنيَّةِ كالسِّيرفراتِ ونحوِها على المواقعِ المُباحةِ النَّافعةِ.
21- إيقافُ وحبسُ المواقعِ ذاتِ الرِّبْحيَّةِ، ويُصرَفُ نِتاجُها والعائدُ منها في أوجهِ البِرِّ.
وأخيرًا: أدعو إخواني للمُسارَعةِ والمُشارَكةِ في مِثْلِ هذه الأوقافِ؛ وذلك لسهولتِها، وكثرةِ عوائدِها ونفعِها. وعلى الواقفِ أن يبذلَ قُصارَى جُهدِه في استمرارِ وقفِه وبقائِه ببذلِ الأسبابِ المُقتضِيةِ لذلك.
أسألُ اللهَ الهدايةَ والتَّوفيقَ للجميعِ لِمَا فيه صلاحُ الأديانِ والأعمالِ
والحمدُ لله ربِّ العالمينَ
الجمعة 1438/4/1 هـ